جسد المحال
د. يُسرى البيطار
سَئِمَت على سَكبِ الدّموع صَلاتِيَ المُتقادِمَهْ
قالت: أعيديني إلى سطر البدايةِ
كان يحدو الغيمُ أشرعةَ المياه القادمَهْ
ظمِئَت على مَرِّ الهوى أذُنُ الإلهْ
ذَبلَت عروقُ الزّهر في جسدِ الفَلاهْ…
قد قلْتَ: يسرى تقطفُ الأعنابا
شقراءَ حاليةَ العناقيدِ ارتَوَت برضاب شمسٍ بالنّخيل تمرّغَت
فرَدَدْتَ في وجه الشريدةِ بابَا
إنّي كَسرْتُ لأجل وجهِكَ سُلَّمي
لا نخلَ يرفعُني ولا خمرٌ تدوّخُني وَلا ريقٌ يلذُّ كثغرِكَ المتدفِّقِ الأمواهِ يُتقنُ في فمي التّسكابا
سَكِرَت على ألم البعاد قصيدتي
انبعثَت من الموت السّحيقِ مَطالعًا وجَوابَا…
لا تبكِني
لا دمعَ تذرفُهُ
لقد أفنَيْتُ دمعَ الكونِ في ذاك التجافي
خذْني على وقت الغروبِ امسَحْ دماءَ الجرح وازرعْني كزهر الموت في كنف الضّفافِ
لا تبكِني
لم يبقَ لي شيءٌ لأخسرَهُ
لقد حَلَّ الشتاءُ على القطافِ…
حَسْبي أغادرُ فجأةً وأَفرُّ من ألمِ الجسَدْ
ويطوفُ في ذكرايَ ألفُ مغامِرٍ أو ألفُ مقهورٍ يموتُ من الحسَدْ
هل أغدُرُ الأوجاعَ بالموتِ الرّحيمْ؟
لا وجهَ أقبحُ من وجوه الأرضِ
ليس هناك شيطانٌ رجيمْ…
وهنالكَ اترُكْني
لقد حاوَلْتُ أن أتوَهّمَ الغيمَ الظّليلَ من الأنينْ
لا غيمَ عندكَ لَمَّني
ودفَعْتَ بالأرياح قاطبةً غيومَ العابرينْ…
ضجرٌ على وجه الجدارِ
وأينَ لي أن أمسكَ الذكرى لأعتصرَ الحنينْ
لا هاتفٌ يطَأُ احتضارَ الوقتِ
والشبقُ الذي يجتاحُني
يغشاهُ بعدَ الشوق منتصفُ الغبارِ ولوعةُ الشّكِّ اللّعينْ…
أنا زهرةٌ في العاصفاتِ تهبُّ ريحُكَ تستبيحُ عطوري
لا شيءَ من أثرِ الرّحيقِ أُقيتُ منه فراشةً
فبِمَ اختلافُ العَتمِ عن سُكْرِ النّدى بالنّورِ؟
والصّيفَ، واختنقَ المدى،
أنّى لزهر الحقلِ قَفزٌ في الحرامِ على اشتدادِ السّورِ؟
وتقولُ: قلبُكِ واسعٌ
لَيضيقُ لمّا بالمحبّةِ يَكبُرُ القلبُ الحزينْ
هو واحدٌ أحدٌ مَن امتلأَتْ بهِ كلُّ اتّساعاتِ الجهاتِ مدى قلوب المُتّقينْ…
بَرْدٌ
وليس يدٌ تلُمُّ رؤى الجليد عن ارتحالي
قُمْ جَفِّفِ الأوراقَ تحتَ وسائدٍ شَهِدَت بأنْ ضاقَ المسمَّى بالحرامِ على الحَلالِ
ذَبَحوا البراءةَ بالحلالِ وعِفّتي
والكونُ يَغرقُ في الضّلالِ
لا شيءَ أعظمُ من حِراب العشقِ في جسدِ المُحالِ.
***
(*)من “منازل العشق”
