منير البعلبكي… انسانية الروح

Views: 403

وفيق غريزي

 

أجيال عدة في جيل واحد، صاحب دار نشر هو “دار العلم للملايين” ومؤلف قاموس “المورد”، سعى الكثير من الناس التقرّب في فهم اعماقه الانسانية والروحية، وفيّ للعلم ولأهله، غير مأخوذ بهاجس جمع الملايين بل بايصال الأدب والعلم والمعرفة الى الملايين من الناس، هذا الانسا ن الذي كان جيلا واحدًا لخص في شخصه اجيالا هو منير البعلبكي، شقيقه نقيب الصحافة السابق محمد البعلبكي…

 

موارد العقل

ولد محمد عبد الحفيظ البعلبكي عام ١٩١٨ في بيروت. درس في الجامعة الاميركية، حيث انشأ طلابها جمعية “العروة الوثقى” التي تولى تحرير مجلتها برئاسة واشراف الدكتور قسطنطين زريق، وتخرج من الجامعة سنة ١٩٣٨ متخصصا في التاريخ الاسلامي والاداب العربية. عمل بدءا في التعليم، وفي العام ١٩٤٠ انتمى الى حزب “النداء القومي” السرّي، وانتدب للعمل في بغداد في كلية اعداد المعلمين، ثم في كلية الملك فيصل في الكاظمية.

ابّان ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الانكليز في العراق عام ١٩٤١، ارتدى منير البعلبكي ثياب الفتوّة وحمل السلاح مع الطلاب، وقصدوا المفتي الفلسطيني الحاج امين الحسيني بقصد التطوّع، الا ان المعركة انتهت مجهضة، فغادر بغداد مع عدد من المدرّسين اللبنانيين وعاد الى لبنان، وحين لم يجد عملا في بيروت، انتقل منها الى دمشق حيث علّم ثلاث سنوات في الكلية العلمية. وفي عام ١٩٤٤ عاد الى بيروت وعمل في التدريس، وبعد سنة تزوج من الفلسطينية “روحية حقاق” القادمة مع اهلها الى بيروت عام ١٩٣٤.

عام ١٩٤٥ كان منير البعلبكي من بين مؤسسي دار النشر المعروفة باسم “دار العلم للملايين”، مع شريك عمره ونضاله العلمي بهيج عثمان ومع اخويه عفيف ومحمد البعلبكي، (نقيب الصحافة السابق) وعام ١٩٨٤ انتسب الى المجمع اللغة العربية، وكان يحضر معظم مؤتمراته السنوية ويشارك في اعداد بعض الدراسات الخاصة بالمأثور العربي الاسلامي…

 

المثقف والناشر

وصف بأن نكهة جديدة للنشر اللبناني – العربي اضفاها منير البعلبكي على مهنة المثقف المتدرج في مهنة خط القرآن الكريم الى مهنة كاتب السلطان وصولا الى كاتب “العلم للملايين” او كاتب الناس – القرّاء، من كل لون اولسان. فهو متعلّم، رأسماله علمه، كان يعمل بيديه، هو وشريكه الحميم المترجم والكاتب بهيج عثمان، وقد استقطب الاقلام الدقيقة والعميقة، ومعرِّبا للكبار، وكان يقدم في مهنته المعرفة على المال، الى أن صارت دار العلم في عصره مصنعا للكتاب، من التأليف الى النشر والتسويق، قلّ نظيره في هذا الميدان….

 

عطاؤه الثقافي

اصدر منير البعلبكي سلسلة علم النفس في عشرين جزءّا مترجمّا عن الانكليزية الى جانب ترجمات اخرى، ابرزها : “علم النفس الحديث”. ومن ابرز أعماله المترجمة عن الآداب الاجنبية: “قصة مدينتين” لتشارلز ديكنز و”العقل الحديدية” لجاك لندن، و”كوخ العم توم “، وقصص: “وداعا للسلاح: و”الشيخ والبحر” و”ثلوج كليمنجارو”  لارنست همنغواي و”البوّساء” لفيكتور هوغو.

 عمل منير البعلبكي ما بين ١٩٤٥ و١٩٦٥، في حقل التعريب، حتى انه انشأ وحده مكتبة عامرة، ثم انتقل الى الحقل الموسوعي والقاموس. من مآثره التعريبية نذكر كتاب المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاغليري. اما كتبه الموضوعة فمنها: “اوراق ثورية”، بالاضافة الى تعريب كتاب كارل بروكلمان “تاريخ الشعوب الاسلامية” مع نبيه أمين فارس، وكتاب “الايام والعرب” لروم لاندو.

 سنة ١٩٦٧ اصدر قاموس المورد (انكليزي – عربي) وصدر في ما بعد باحجام مختلفة عدّة. وعام ١٩٧٠ بدأ عمله على موسوعة المورد التي بلغت ١١ مجلدّا وجرى اصدارها للمرّة الاولى سنة ١٩٨٣، وقد اعتبرت هذه الموسوعة اضخم مشروع ثقافي ظهر في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين. وتقسم الى: – موسوعة المورد العربية، تقع في مجلدين – معجم اعلام المورد، وهي موسوعة تراجم لابرز اعلام الشرق والغرب.

 ومن المعاجم التي اصدرها شريكه عثمان: معجم عبد النور (فرنسي – عربي) والمعجم الادبي. – قاموس الاطفال الرائد، معجم (عربي – عربي) لجبران مسعود.

 شارك منير البعلبكي في تأسيس اتحاد الكتاب اللبنانيين واتحاد الناشرين. وبقي في جهوده الى ان اقعده المرض وتوفي عام ١٩٩٩. قال عنه بعض عارفيه انه كان موردا انسانيا وهّاجًا، فوق كرسيه، يده تحمل القلم للتدقيق في الموارد العملية للعقول الناهضة في الامّة، صادق، صبور، كتوم ومجاهد في وقت واحد. (https://www.onecrazyhouse.com/) كما أسس مع الروائي سهيل ادريس مجلة “الآداب” التي استفرد ادريس في ما بعد بملكيتها لوحده….

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *