سجلوا عندكم

“دور الجامعات في إدارة النهضة المواطنية”

Views: 367

 إعداد : د. مصطفى الحلوة

نظم” مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، بالشراكة مع مؤسسة (Hanns Seidel) الألمانية، وبالتعاون مع الجامعة اللبنانية، ورشة تفكير ونقاش، عنوانها “دور الجامعات في إدارة النهضة المواطنية”، على مدى يومي 18 و 19 حزيران 2021 (بيروت فندق Bossa Nova). استُهلَّت الورشة بجلسة افتتاحية، تكلم فيها على التوالي: عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية البروفسور أحمد محمد رباح، ورئيس “مركز تموز ” د. أدونيس العكره، ومندوب “هانز زايدل” في لبنان الأستاذ طوني غريِّب، ومنسقة أعمال الورشة د. نور عبيد.

تلت  جلسة الإفتتاح ستُّ جلسات، قُوربت فيها الأطروحات الآتية: المواطنية كمادة دراسية وبحثية / إمكانية المبادرة إلى تفعيل العمل المواطني وآليات إدارته في الجامعة/ دراسة إشكالية المواطنية وديناميتها في المجتمع/ خبرات وشهادات في المواطنية وحقوق الإنسان/ المواطنية في الجامعة والفضاء العام/ تقويم نقدي وإصلاحي للمواطنية في الأكاديميات.

لعل أبرز ما سُجِّل في الجلسة الافتتاحية الإعلان عن خطوتين، أولاهما من قِبل العميد رباح، مفادها شروع كلية الآداب (الجامعة اللبنانية) بوضع استراتيجية، على المديين المتوسط والبعيد، لتعزيز حضور المواطنية والتربية عليها في الكلية، وتوثيق الصلة مع المجتمع الأوسع خارجها. وثاني الخطوتين توجُّه “مركز تموز”، بحسب د. العكره، إلى إنشاء “شبكة المواطنية في لبنان”، عَبْرَ تشبيك بين “المركز”ومؤسسات المجتمع المدني، وليكون دورٌ أساسي للجامعة اللبنانية، في هذا المجال.

إشارةٌ إلى أن الورشة تميزت بحوارٍ تفاعلي بين المحاضرين وبين جمهورٍ، ينتمي معظمه إلى الفضاء الجامعي، لا سيما طلبة الدراسات العليا في الجامعة اللبنانية وبعض الجامعات الخاصة العاملة في لبنان.

وقد خلص المشاركون، فيما خلصوا، إلى أن هذه الورشة تطرح على الجامعة اللبنانية جُملةً من الإشكاليات / التحديات، كونها تكِلُ إليها دورًا عملانيًا في إدارة النهضة المواطنية، إلى دورها الأساسي، كمعينٍ لإنتاج المعرفة. ولقد كان للبيان الختامي أن يتضمّن المحاور الآتية:

أولاً- ثوابتُ ورؤى/ في المواطنية والتربية على المواطنية

  • ترتكز المواطنية على ثلاثة عناصر: العنصر المدني (الحريات العامة، لا سيما حرية التعبير والمُعتقد، وحرية التملك، والحق في العدالة)، العنصر السياسي (المشاركة في الحياة السياسية)، العنصر الاجتماعي ( حق المواطن بالرعاية الصحية وخدمات الرفاهية الاجتماعية).
  • تقوم المواطنة على ترسيخ مجموعة من القيم، من خلال ضوابط، تنظّم العلاقة بين الفرد والإطار المؤسّسي الذي ينتمي إليه، سواءٌ أكان دولة أو مؤسسة أكاديمية. وتنبني هذه العلاقة على أسس أبرزها : الارتباط العضوي ، الانتماء، المشاركة في صُنع القرار، ضمان الحقوق والالتزام بالواجبات.
  • البحث في المواطنة هو بحثٌ في الذهنيات، يفترض عقلاً يُخطِّط، يُضاد سائر الانتماءات الضيقة، جاعلاً من بناء الوطن أولوية.
  • المواطنية تفترض وجود دولة ومواطن، في إطار معادلة مُتفاعلة ومُتكافئة، أبرزُ تجلّياتها تبنّي استراتيجيات وخطط عامة، تكفل تعميق البُعد المواطني، في كل قطاع من قطاعات الدولة.
  • إن الإنزياح بالمواطنية من حيِّز النظرية إلى حيِّز الفعل والممارسة اليومية، أي جعلها سلوكًا يوميًّا، يُشرِّع الأبواب للعبور إلى دولة المواطنين لا دولة الرعايا، إلى ا لدولة المدنية الحديثة، دولة القانون والمؤسسات.
  • إن غاية التربية على المواطنية اضطلاع الأفراد بدور اجتماعي، يُساهم في حياة المجتمع، ويُشارك مشاركة فاعلة في المجال العام.
  • إذا كانت المؤسسة التعليمية (المدرسة/الجامعة) أحد الأطر البنّاءة في التربية على المواطنية، فإنّ ثمة أُطُرًا قد تؤدّي دورًا سلبيًا، يتفوّق على دور المؤسسة التعليمية، كالأسرة غير الصالحة والمؤسسة الدينية والمؤسَّسة الحزبية، بما يُفضي إلى تكريس الانتماء العائلي والطائفي والجهوي الضيِّق.
  • في إطار التربية على المواطنية تكون الأولوية للممارسة، بحيث تسبقُ التوعية عليها نظريًا. وعليه، فمن الأهمية بمكان تعويد الطفل، في سِنيّه الأولى على سلوكيات المواطنية، وليكون تبصيرُه بأبعاد قيمها، عندما ينضج وعيه.
  • إن مقرّر “التربية الوطنية والتنشئة المدنية”، الذي تمّ اعتمادُه في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، بموجب تعديل المناهج في لبنان للعام 1997، لا يُلبّي ما تنهدُ إليه التربية على المواطنية. بل إن إسهامه، في هذا المجال، محدودٌ جدًا، وفق دراسات إحصائية أُجريت من قبل مشتغلين وخبراء في التربية.
  • إن مناهجنا التعليمية ، في غالبيتها، على رُغم التعديلات التي طرأت عليها، هي بمنزلة كتل معلومات، تحشى بها رؤوس الطلبة، من دون أن يكون لها مردودٌ في تشكيل قيم المواطنية وفي التربية عليها.

ثانيًا- دور الجامعات في إدارة النهضة المواطنية

أ- دور الجامعات بعامة:

  • إن الجامعة لا تبلغ غاية أهدافها، ولا تكتسب صُدقيتها، كمؤسسة تربوية قبل أن تكون تعليمية، إلاّ بخروجها من أسوارها، فتتنكّب قضايا المجتمع، بما يجعلها رأس حربة في الحراك المجتمعي. فالجامعة ليست إدارة رسمية، يحكمها عملٌ روتيني، بل هي الفضاء الذي تُعدُّ فيه الأجيال الطالعة، كي تُسهم في بناء الوطن والنهوض به.
  • من منطلق التناظر والمقايسة، إذْ يُرى إلى الجامعة أنها الوطن، والطالب هو المواطن، فعلى إيقاع العلاقة الجدلية بين هذين الطرفين تتحدّدُ طبيعة الوطن، لما للأجيال الجامعية من دور فاعل في رسم معالم أوطانهم.
  • تأسيسًا على ما سبق، فإن للجامعة دورًا طليعيًّا في إنتاج ثقافة مواطنية والتربية عليها، بشكل عملاني، عبورًا إلى الدولة المدنية الحديثة. وإذا تخلّت الجامعة عن هذه المهمة، فهي تغدو في خدمة أنظمة الاستبداد، وتعمل، عن قصدٍ أو غير قصد، في تأبيدها.
  • إن مفهوم المواطنية في المؤسّسة الجامعية له خصوصيتُهُ، فهو يتعدّى البُعد التعليمي، إلى أبعادٍ أخرى: البُعد القانوني (تنظيم العلاقة بين الجامعة وكوادرها الثلاثة، الإداري والتعليمي والطالبي)، والبعد الأكاديمي (أي كل ما له علاقة بمسار العملية التعليمية وآلياتها) والبعد الثقافي الحضاري.

ب- دور الجامعة اللبنانية

  • كون الجامعة اللبنانية أمّ مؤسسات التعليم العالي في لبنان، تقع على عاتقها مسؤولية تنمية المهارات المعرفية والعلمية والفكرية لطلابها، كما تعزيز أُطُر الممارسة الديمقراطية والقيم الإنسانية، وهي شروطٌ لخلق مجتمع المواطنة في الجامعة، الذي يُشكّل مُنطلقًا لبناء المجتمع المواطني الأوسع، بما يُسهم في صُنع التغيير والنهوض بالوطن من كبوته.
  • إن قانون الجامعة اللبنانية (رقم 75 ، تاريخ 26/12/1967)، كما الأنظمة الداخلية لكلياتها ومعاهدها، يسعى، فيما يسعى، إلى إعداد الطلاب، ليكونوا مواطنين فاعلين، يُسهمون في بناء المجتمع اللبناني وتنميتِهِ، عبر منحهم الأدوات المعرفية، والكفاءات الضرورية، لمواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وصولاً إلى بناء مجتمع المعرفة.People who want to sell their homes can use house buyers. Their plan is easy to understand and only takes a few days. This makes it perfect for selling a house quickly. Visit https://www.ibuyers.app/virginia/.
  • على مستوى المناهج، أدرجت الجامعة اللبنانية، في جميع الاختصاصات مقرّر “حقوق الإنسان”، كمقرّر إلزامي (المرسوم 2225- المادة الثانية). وهذا المقرر على تماسٍ مع قضية المواطنية. علمًا أن كثيرًا من المقررات، في التخصصات الإنسانية وسواها (كلية الآداب- كلية الحقوق- معهد العلوم الاجتماعية..) تُقارب قضايا المواطنية، من زوايا مُتعدّدة.
  • وفّرت الجامعة اللبنانية آليات عمل، تتقاطع مع آليات التربية على المواطنية، وذلك عبر قوننة المشاركة في اتخاذ القرار وحلّ النزاعات، بما يخصً القضايا المتعلقة بمجالس الفروع ومجلس الجامعة (القانون 66/2009). كما أفسحت المجال لإعادة الاعتبار إلى ممارسة الديمقراطية، من خلال الانتخابات الطالبية في العام 2019، ولكن تمَّ تأجيلها، بسبب الأحداث الاستثنائية وجائحة كورونا.
  • بما يعود إلى الخطة الاستراتيجية لكلية الآداب (الجامعة اللبنانية)، الآيلة إلى تطوير المناهج، فقد تمّ إعدادها منذ سنتين، وهي الآن في عُهدة “اللجنة العُليا للمناهج”، وتحتاج إلى إقرارها من قِبل اللجنة ومن قبل المجلس النيابي. في استعراض موجز لهذه الخطة الاستراتيجية الواعدة ، بما يتعلّق بالشق المواطني، نتوقف عند أبرز بنودها :
  • إدراج مقرّر المواطنية، كمقرّر إلزامي، في جميع الاختصاصات العائدة للكلية، أسوةً بمقرّر “حقوق الإنسان”، وتعزيز مفاهيم التنمية البشرية المُستدامة، والمساواة في الحقوق بين الجنسين، وتطبيق العدالة والمبادئ الديمقراطية، داخل الجسم الجامعي وفي قلب المجتمع.
  • جعل أطروحة المواطنية والتربية عليها محورًا من محاور البحوث الخاصة بأساتذة الكلية، مع توفير الدعم المادي اللازم، وتشجيع طلاب الماستر والدكتوراه على مقاربة المواطنية وقيمها في دراساتهم وأطاريحهم.
  • إعداد طلاب الكلية على المواطنية، من خلال قيامهم بخدمات عامة في مجتمعهم، في إطار مبادرات لاصفيّة، بما يُكسبهم مهارات القيادة وحُسن التواصل والحوار والمناقشة. ناهيك عن توجيه اهتماماتهم نحو قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
  •    على رُغم كل الإيجابيات، بما يخصّ دور الجامعة اللبنانية في المجال المواطني، وفق ما تنص عليه قوانينها وأنظمة كلياتها ومعاهدها، ومنظورًا إلى الخطة الاستراتيجية الواعدة لكلية الآداب، فإن ثمة معوّقات بنيوية، قد تقف حجر عثرة في مواجهة المهام التي سبق ذكرُها. ومن أبرز هذه المعوّقات:
  • ضيق هامش استقلالية الجامعة اللبنانية، إذْ تتحرّك بين حدّي سلطتين، سُلطة وصاية “رسمية” (وصاية وزير التربية عليها)، وسلطة “غير رسمية”، تتمثّل في التدخلات الحزبية والطائفية، حيث للتحاصص والزبائنية مجالٌ واسع. علمًا أن ضعف هذه الاستقلالية شرّع الأبواب لدخول العصبيات إلى الجسم الجامعي، على حساب الحضور المواطني الفاعل.
  • ضعف التمويل ، إذْ تتناقص الميزانية المخصصة لها من قبل الحكومة، سنة بعد سنة، مما ينعكس سلبًا على المسار التعليمي والإداري،وعلى الموازنة المخصصة للأبحاث.
  • الإنشغال بالكمّ على حساب النوعية، في قبول الطلاب، بذريعة ديمقراطية التعليم العالي.
  • ضعف الحوافز الدافعة إلى الابتكار والتطوير، كما ضعف الإمكانيات التقنية المتطورة.
  • في نهاية المطاف، فإن الجامعة ليست جزيرة معزولة في خضمّ الأزمة العامة، فأزمتها من نتاج هذه الأزمة، التي تُشارف اليوم حدود الأزمة المصيرية الوجودية.

ثالثًا- في المقترحات والتوصيات

  • السعي إلى إيجاد إطار عمل جامع، من خلال التشبيك بين الجامعة اللبنانية ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية الفاعلة، ومأسسة هذا الإطار، وأن تكون له صفة الديمومة، وليُكبَّ ، عبر دوره ومهامه، على قضايا المواطنية والتربية عليها.
  • مواكبة الخطة الاستراتيجية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية (الجامعة اللبنانية)، بما يفضي إلى أقرارها، فتُوضع موضع التنفيذ العملي ، مع انطلاقة العام الجامعي 2021- 2022.
  • مباشرة “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية” ببلورة توجهه وإطلاق “شبكة المواطنية في لبنان” ، والقيام بالخطوات العملانية، لجهة التشبيك مع الجامعة اللبنانية والمجتمع المدني والأهلي.
  • دعوة رئاسة الجامعة اللبنانية- وعلى غرار ما سيُعمل به في كلية الآداب- إلى تخصيص مقرّر دراسي إلزامي حول المواطنية والتربية عليها في جميع كليات الجامعة ومعاهدها، وبما يعود إلى كل الاختصاصات (بدءًا من السنة الأولى وحتى التخرّج).
  • دعوة الجامعة اللبنانية إلى التزام مندرجات “الإعلان العالمي للتعليم العالي المتوازن والشامل”، الصادر عن الأونسكو، والذي يُشدِّد على مساهمة الجامعات في التنمية المُستدامة، وتحسين أوضاع المجتمع، عبر تعليم عالٍ نوعي، يجعل المتخرج قادرًا على الانخراط في الفعاليات الوطنية والاجتماعية والإنسانية.
  • دعوة الجامعة اللبنانية إلى “تخفيف” الوصاية المفروضة على الجامعة، حتى حدود دُنيا، من قبل أهل السياسة، بمختلف مشاربهم، وفرض خطاب وطني اجتماعي داخل مجلس الجامعة، كونه المرجع الأساسي في اتخاذ القرارات، وتحسين مستوى التعليم، بما يُوفِّر حصانة عالية أمام أي تدخل وضغوطات من خارج الجامعة.
  • لجهة التعيينات الإدارية، في كليات الجامعة اللبنانية ومعاهدها، عدم “تلوينها” بألوان طائفية/ مذهبية، لما لذلك من منعكسات سيئة، على مسار العملية الإدارية والتعليمية، وعلى قضية المواطنية.
  • إعادة إحياء “الاتحاد الوطني لطلبة الجامعة اللبنانية”، ما أن تسمح الظروف العامة، وإجراء الانتخابات الطالبية. علمًا أن الطلاب شكّلوا قوة الضغط الأساسية لإنشاء الجامعة اللبنانية، مطلع خمسينيات القرن الماضي.
  • جعل أطروحة المواطنية عابرةً لكل مقررات التدريس، في مناهج التعليم ما قبل الجامعي، لما لكل مقرّر من دورٍ فاعل في ترسيخ قيم المواطنية (فمقرّرا التاريخ والجغرافيا، يكرّسان قضية الانتماء المواطني والهوية- والعلوم والرياضيات يرسّخان قيم التفكير العقلاني والمنطقي.. وهكذا دوليك). علمًا أن هذه المهارات المكتسبة ستنسحب بالضرورة على مختلف المواقف وسلوكيات الفرد اليومية.
  • اعتماد وزارة التربية (لبنان) كتابًا موحّدًا للتربية المدنية، في قطاعي التعليم الرسمي والخاص، يتضمّن قيم المواطنية والتربية عليها، وتاريخ الأديان، إضافة إلى القيم الدينية المشتركة، ذات البُعد الإنساني، من دون التطرّق إلى المسائل العقيدية.
  • الإفادة من تكنولوجيا المعلومات، بتنزيل تطبيق Application حول المواطنية، عبر وسائط: التويتر والفايسبوك والواتساب، يضع مضمونه متخصصون في علوم التربية ومختلف العلوم الإنسانية، ويُشرف عليه تقنيون في مجال المعلومات.
  • خلق جيش الكتروني مواطني (جعل العلم اللبناني كشعار له Logo) يتصدّى للقيم الهابطة، التي تتهدّد قيم المواطنية، وتؤثِّر سلبًا على الأمن المجتمعي.
  • الإفادة من الألعاب الإلكترونية للأطفال (Games) ذات التوجُّه المواطني، ومحاذرة ترويج الألعاب التي تُرسي قيم العنف والثأر والغلبة، ومختلف القيم الهابطة التي قد تُنقش في واعية الأطفال، وتنتقل معهم إلى المراحل العُمرية اللاحقة.
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *