سجلوا عندكم

مسيرتي مع شاعر الكورة الخضراء

Views: 1099

ابتسام غنيمه

يكتبون. ينظمون في حياتهم أكثر ممّا يتكلّمون، ثمّ يرحلون… مخلّفين إرثًا من الدّفاتر المخطوطة والأوراق المهلهلة. بعض الأبناء يهملها لتغفو وتتعفّن في زوايا النّسيان؛ لكن ثمّة أبناء بررة يحملونها حلمًا يراود خيالهم وهدفًا يسعون إلى تحقيقه.

وهذا ما فعلته ميراي في إرث والدها. 

حملت هذا الإرث وسلّمتني إيّاه.

عبد الله شحاده، شاعر الكورة الخضراء، هذه القامة الأدبيّة الشّماليّة التي أغنت مكتبتنا العربيّة بإرث أدبيّ: شعريّ ونثريّ، قيّم للغاية.

نظم أبياتًا تُبكم شعراء يومنا هذا وتعيد إلى التّفعيلة قيمتها النّغميّة الأساسيّة في عمليّة البناء الشّعريّ.

 

كتب النّثر فتهادت في أرجائه الصّور والموسيقى لتشكّل لوحة كتابيّة تسمو بالفنّ إلى أعلى مراتب الإبداع.

مسيرتي معه لم تكن مسيرة محقّقة مع أوراق قديمة. لقد استمرّت لثلاث سنوات قرأت خلالها دفاتره العتيقة وأوراقه الممحوّة ونسخه المكرّرة.

قرأته فتعرّفت عليه واكتشفت بعض ملامح بارزة في حياته.

لملمت شتات كتاباته وجمعتها ضمن خمس مجموعات، تضمّ كتبًا منها ما اختاره بنفسه أثناء حياته، والباقي لم تمهله السّنون ليصنّفه فقمت بما ارتأيت مناسبًا. رتّبت قصائده بحسب التّسلسل الزّمنيّ فإذا بتاريخ شماليّ لبنانيّ عربيّ يتكلّم.

توقّفت عند كلّ كلمة ضبطًا، وعند كلّ شطر إيقاعًا لأقوّم خللًا عروضيًّا معترضًا.

عانيت في تحديد البحور الشّعريّة لأنّه لم يكتفِ بالشّعر الكلاسيكيّ، بل وسّع دائرة غزواته ليشمل شعر الحداثة، فكانت له محاولات فيها حيث نجده في عدد لا يستهان به من القصائد يمزج بحرين أو أكثر وفق حسّ موسيقيّ بارز ولافت. 

شرحت بعض المعاني حيث استوجب السّياق ذلك، أو حيث بدأ بالشّرح ولم يكمل لأنّه باشر جمع أعماله في أواخر سنواته.

أضفت خاتمة لقصّة “ليالي القاووش” بالبحث والتّقصّي، لأنّه لم يتسنّ له الوقت لكتابتها.

ولم أشأ أن تصدر المجموعة من دون مقدّمة مسهبة تلقي الضّوء عليها وخطّة العمل التي اتّبعتها، ومن دون فهارس علميّة (فهرس الشّعر والأعلام والمحتويات)، تسهّل عمليّة البحث لدى الطّلّاب والدّارسين، لأنّه من جهة يستحقّ دراسات أكاديميّة معمّقة، ومن جهة ثانية، قد لا يقدَّر لهذه المجموعة أن تُطبع ثانية، إذ لا توجد ميراي أخرى تعطي وقتها وجهدها لهذا العمل.

ونأمل أن تثير هذه المجموعة غيرة أمثالها، فنفاجأ بإصدارات تحمل أسماء تكلّل جبين الشّعر بهالة من عبقر.

عبد الله شحاده، شاعر الكورة الخضراء، حيّ في أدبه الرّاقي والغنيّ والنّبيل.

إنّه مثال المبدعين الذين يتفلّتون من عقارب الزّمن ويقتحمون جدران الذّاكرة، فيُبعثون من رماد السّنوات الهاربة.

أمثاله ربّما كثيرون، وربّما طوت صفحتهم الأيّام، لكنّ أمثال ابنته نادرون، ومن هذه النّدرة بإذن الله، ستنطلق أسماء لتعيد إلى الشّعر عهده الذّهبيّ، في عصر أُرغِم فيه الشّعر على التّخلّي عن عرشه لصالح كلمات مشتّتة ومبعثرة وليس فيها من صفات القصيدة إلّا التّسمية، وليس فيها من روح الشّعر ومضة إشراق.

للأسف، نعيش اليوم عصرًا كثير فيه الشّعراء وندر الشّعر. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *