ماذا نتعلّم؟ وكيف نتعلّم؟
أنطوان يزبك
-بدأ العام الدراسي بعد سنوات العزلة، هاوية تفتح أبوابها.
-مع الصعوبات الماديّة الكبيرة: ماذا نتعلّم؟ وكيف نتعلّم؟
أرسل أرسطو إلى الإسكندر المقدوني رسولا حكيمًا فسأله الإسكندر:
كيف عمل أرسطو في الرعيّة بعدي؟
فأجاب الرسول:
أنار القلوب المظلمة في الصدور الخربة، وكنز فيها الحكمة، وأمات الجهالة…
كم نحتاج اليوم إلى مناهج تعلّم الحكمة والمعرفة وتقضي على الجهل في النفوس والصدور وتُعدّ وتُنشئ جيلا متعلّمًا بصورة عصريّة ومقبولة تساعد هذا الجيل المنكوب الذي ابتلي بالجهل وسلّم قياده إلى جهلاء!..
كنت أودّ أن أُسكت مشاعري وأُقفل مجاري أقلامي حاجرًا على بنات أفكاري، كي لا أخوض في مجاهل العام الدراسي الحالي، ولكنني شعرت أن الساكت عن الحق والحقيقة والمنطق والأصول، ليس فقط شيطانًا أخرس بل مجرم كبير وقتّال مثل ذلك الإبليس الذي كان منذ البدء!
تقول الحكمة إذا أخفقت في التحضير فإنك حُكمًا تتحضّر للإخفاق، وهذا فعلا ما حصل معنا في عالم التربية، فلم يكن لدينا معرفة بخطط بديلة معدّة لمواجهة الكوارث crisis management فهوينا إلى القاع وما زلنا ننحدر..
وهذا الأمر ليس بمستجدّ، فنحن على مرّ السنين أهملنا أن هدف العمليّة التربويّة، يبدأ بالوعي وإدراك أهميّة التعلّم وغايته، إذ متى أحبّ المتعلّم ما يتعلّمه وأدرك صوابيّة وجوده في المدرسة، وأهداف المواد التي يدرسها، أحبّها وبرع فيها وعمل على تطوير المعرفة لديه ولو من خارج المنهج.
انهمكنا كثيرًا في مسألة الخوض في التفاصيل التي في المناهج قبل أن ندرك الأهداف والمسارات والمكتسبات التي من الممكن أن يحصّلها التلميذ.
التلميذ الذي ينكبّ على اكتساب مهارة، أي مهارة أفضل من تلميذ يدرس كل ما يُطلب منه في السنة الدراسيّة غير مدرك وجهة استعمال المعلومات التي يدرسها!!.. إذ بات المنهج التعليمي بغير ذي فائدة وظهر ذلك عندما توجّه طلاب البكالوريا إلى الجامعات وجلّهم من المتفوّقين في دراستهم، ليجدوا أن معظم ما تعلّموه لا علاقة له بتاتًا بما ينتظرهم في الدراسة الجامعيّة، لا بل واجهوا معاناة كبيرة وكابوس الرسوب، وصُدموا بمعلومات وأساسيّات كان الأجدى لو تعلموها في المدرسة، بدل معلومات عفا عنها الزمن، أقلّ ما يقال فيها إنها لزوم ما لا يلزم!..
قيل إن صانع الأصنام لا يعبدها لأنه يعرف المادة التي صُنعت منها، وهذه حال نظامنا التربوي، صنعناه في غفلة، واختار عدد كبير من الذين اشتركوا في صناعته، الشهادات الأجنبية لبنيهم وبناتهم وتصرفوا مثل المافيات التي أثرت من بيع الكتب، وفي الوقت نفسه ساهمت في كوارث جانبية: إتلاف الأشجار لصناعة أوراق كتب لا يدرس فيها التلميذ أكثر من عشرين بالمئة من محتوياتها، وإهدار مال الناس والمال العام، والمصيبة أن التلميذ لم يحصّل من كل هذه الجهود لا على العلوم ولا على المعرفة، بل نمت لديه كراهية للعلم والمدرسة والمناهج وما تحويه من تعقيدات وطلاسم لا تفيد ولا تعلم شيئًا.
وبعد، كيف يتعلّم التلميذ على معدة خاوية وكيف يفهم وعناصر التغذية الأساسية مفقودة؟؟
عند حصول المجاعة في إيرلندا عرض الأسقف الأنغليكاني جوناثان سويفت مسألة أكل الأطفال كحلّ للجوع، مذكّرًا بالإله كروتوس الذي أكل أولاده في الميثولوجيا اليونانية، فهل نترك أطفالنا يأكلون السموم أم يؤكلون من قبل الجهل والخراب ويتركون لمصيرهم من دون علم جيّد ومقبول ومناسب لعصرنا!!
للتذكير فقط: “فمن منكم، وهو أب، يسأله ابنه خبزًا، أفيعطيه حجرًا؟ أو سمكة أفيعطيه حيّة بدل السمكة؟ (لوقا 11:11).