خالدة سعيد شاهدة المعنى

Views: 1240

سليمان بختي

    حملت الناقدة خالدة سعيد الى جانب تجربتها الاكاديمية تجربة عملية في المؤسسات والنشاطات والمبادرات والمشاريع الثقافية. وهي منذ نصف قرن في حومة الفكر النقدي وشكلت مع اسعد رزوق وجبرا ابراهيم جبرا ما يمكن تسميته المواكبة النقدية لمشروع مجلة “شعر” في تجديد الشعر العربي الحديث، وايضا في مجلة “مواقف”، وطورت وعيها النقدي الابداعي الشعري الحضاري الى وعي اجتماعي واخلاقي وتاريخي. وأقامت الجسور المتينة بين اشكال الوعي واشكال التعبير. رصدت الظواهر والرموز الشعرية والثقافية وكتبت  عنها بحب وعمق وتبيين. نحتت الطريق لقراءة شعراء مجلة شعر ولاحقا شعراء الحداثة العربية. وعلمتنا القراءة الهادئة العميقة. وغاصت في الكتب التي ترصد وتحلل وتدقق وتوثق وتمرحل ويكون كل ذلك جزءا من تجربة الكاتب او الكاتبة نفسه.

    اصدرت عام 2012 “يوتيوبيا المدينة المثقفة” وهو كتاب نقيض لكل ما نعيشه في هذا الزمن  المتهافت. وفي المعنى الذي يسبغ القيمة على الحياة. هذا الكتاب هو برأيي، حدث في سيرة الثقافة في المدينة والوطن وتاريخا ثقافيا لحداثة مدينة لم تفقد الكاتبة التواصل معها منذ أقامت فيها في العام 1956. استعادت المدينة من الذاكرة لترويها في كتابها. هذا الكتاب برأيي، هو طريق بحث عن الانسان ومعاني حضوره في المكان. هو كتاب في الحب، والحب يعني المعرفة والمبادرة. هكذا ان تحب المدينة وتحب بيروت وتذوب في المكان كي تستلهمه وتستعيد الحلم وترتقي معه الى نهضة مرتجاة. ولا عجب ان تهدي خالدة سعيد كتابها ” الى بيروت ، في الازمنة كلها” لان قيمة الازمنة بالنهاية بما تحمل من قيم وامثال واخلام واسئلة وانجازات ومواقف.

 

    تنتمي خالدة سعيد الى ثقافة الاسئلة. ولعل السؤال الاقوى الذي تطرحه دائما هو: كيف يمكن ان نستعيد روح النهضة؟ قضية الثقافة، قضية الانسان؟ ما هي المؤسسات التي شهدت للثقافة وشقت طريق التغيير وخلقت حساسية وحيوية تجددية في المجتمع؟ كيف يصنع الحدث الثقافي وكيف يبنى العمل الثقافي بمعايير رسالية متجددة؟ وكيف يتجسد الشغف بارادة لا تلين لتحقيق ما يشبه المستحيل؟ كيف نفتح الذهن على فتنة الواقع لا لاجل قبوله بل لتجاوزه وتغييره؟ كيف نعيش الحاضر بقوة الماضي وحلم المستقبل؟ كيف تصبح الثقافة المثل الاعلى في المجتمع؟ كيف يصبح الشعر في معركة الوجود؟ (عنوان لاحد كتبها)

    رأت خالدة سعيد الى الكتابة الابداعية كحركة بين الوعي بما هو معرفة متحصلة واجهزة تعرّف وذاكرة، وبين الحلم بما هو تطلع ونزوع وكشف واستشراف، يرتفع بالمعرفة الى ممكنها ومرتجاها. ربطت الكتابة بالشجاعة والحق والمجاهرة بالموقف والمسؤولية وكفعل صيانة للمستقبل.

    تسأل خالدة سعيد : كيف حصلت القطيعة بين الثقافة والسياسة؟ وكيف انغلقت المؤسسات السياسية والادارية على الثقافة والفكر النقدي؟ وغابت الحوارات في المجتمع، وغابت العقلانية والتواصل، وغاب الابداع، وغابت المعايير والمفاهيم، وتحولت الحياة الى مجرد خواء هزيل.

    كيف يمكن ان يكتب المرء غير يائس؟ كيف تعود بيروت مختبرا للضمير والاحلام والمشاريع والمبادرات ومساحة للتلاقي؟ كيف يعود تيار الحداثة ليعصف في المجتمع مستندا الى الديمقراطية والمعرفة والتربية الابداعية؟ الجواب على هذه الاسئلة كلها في قوة المجتمع المدني اذا اراد. في الثقافة والديمقراطية والهوية الحضارية. وفي العمل لاجل مدينة تنهض على الفكر والقانون والحياة في الابداع، وفي الانتماء الى الثقافة باعتبارها نهضة وسبيلا للعقلنة وعملا تأسيسيا لبناء الانسان وبناء المجتمع وبناء الحضارة.

    في علوها الثمانيني ولم تزل تكتب وتحلم وتصوب. انجزت الجزء الثاني من كتاب ” يوتيوبيا المدينة المثقفة” بعنوان “فضاءات” وتتناول فيه الشخصيات والرموز والاعلام التي صنعت نهضة بيروت وحداثتها. كما تعمل على كتاب حول القصة والرواية العربية. و كتاب اخر حول موسوعة   النساء  في العالم.

    في 9 اب 2014 كتبت خالدة سعيد شهادة عن الامينة الاولى جولييت المير سعادة ووصفتها بانها شهيدة المعنى. ارى ان خالدة سعيد فيما عملت وانجزت في الثقافة  العربية وحركة النقد هي شاهدة المعنى.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *