سجلوا عندكم

قراءة في قصيدة “أتلاشى”لآمنة محمد ناصر

Views: 782

أنطوان يزبك

تعودنا في شعر آمنة ناصر على أنماط متعددة، وصور ملونة، كما الدخول إلى عالم من حلم وموسيقى اورفية، تتعاقب فيه المشاعر والاحاسيس مع التجاوز إلى مرئيات ولوحات صاخبة، تأخذ المشاعر إلى بلاد متخيلة جعلت منها آمنة مسكنا لروحها وهي في لمحة قدسية تدعونا إلى الولوج واستكشاف عالمها المخصب بنسغ من حلم ويقظة.

يقول ويليام بلايك: “في الكون ثمة أشياء معروفة وأخرى غير معروفة ، وهنالك أبواب تفصل بينهما”، فهل ترمي آمنة مفاتيح هذه الأبواب بعد أن اغلقتها ام أنها تشرعها على مصاريعها، داعية الجميع إلى الدخول والجلوس إلى مائدتها العامرة?!

في قصيدة “اتلاشى” هنالك مقاصد متعددة ، دخان السيجارة قد يكون الروح بكل بساطة، ام الأفكار التي لا حسيب ولا رقيب لها تذهب حيث يحلو لها ،فسحات أمل وهروب وانعتاق من المادة والجاذبية بغية التحليق والسفر بعيدا.

وأنّات القيثارة تعيد إلى ذاكرتنا موسيقى سماوية من فيلم heaven can wait أي بإمكان السماء أن تنتظر، حتى يعود الزمن ليكون نفسه على قواعد جديدة .

مع كل هذه الاحتفالية لا بد وأن تأتي أفكار متمردة تحدوها المخاوف وتزنرها الشكوك:

ذلك أن الغيمة التي تكون عادة محملة بالمدد والخير ، تتحول إلى عاقر تشك آمنة في قدرتها على الإمطار، وحينها نطرح أسئلة كثيرة ، هل نحمل المزن أكثر مما تحتمل من احزاننا وخيباتنا وهزائمنا وزلاتنا وحتى حبنا المفقود ولذتنا المبتورة من عصور بعيدة، وازمنة غابرة توارثنا مرارتها، وحتى علمنا أطفالنا أن طعم المرارة هو في الحقيقة عسل، لأن المجتمع يفرض ذلك?!

يقول نزار قباني في قصيدة “وعدتك”:

لقد كنت أكذب من شدة الصدق

والحمد لله اني كذبت.

في شعر آمنة هكذا مشاعر صاخبة وصارخة كافية حتى تجعل من الشمس تنضوي في اللجج، في بحر من دون قرار حيث الأمور العادية أضحت من دون اعتبار ومن دون ضجيج، مجرد عبور من بقاء إلى آخر، على وقع نوتات موسيقية حالمة، وبقايا نهار يذوي من دون كثرة كلام.

وتقول أيضا، حلم تحقق، وربّ سائل في حال تحقق الحلم هل يبقى حلما?

يقول رابندارات طاغور:

الوردة ولو كانت وحيدة ، لا تحسد الأشواك ولو كانت كثيرة!

فهل تريد آمنة ان تتحول إلى وردة إذ شعرت أنها محاطة بالأشواك ، وها هي صورة الطفل والفراشة تعود في القصيدة لتشدنا إلى دوائر الطفولة وصورة الطفل الذي يتخلّى عن يد الأم ويلاحق فراشة ، سالكا دروب الغاب حيث تتربص به الوحوش، وأمه التي تبحث عنه بألم وفاجعة انقطاع الرابط بين الأم والطفل!!

ما الحياة سوى صراع بين العاطفة والعقل ، وشعر آمنة خير دليل، وما التلاشي سوى فصل آخر من هذا الصراع، كتابة الشعر هي أيضا وحدة التعبير بين العاطفة والواقع وبغية إمداد العاطفة بما تحتاج إليه كان لآمنة، وسط كل هذه التناقضات والصخب، كلمتها الشعرية .

يقول بوذا:

كما أن الشمعة لا تضيء من دون نار ، كذلك لا معنى لحياة الإنسان من دون روحانية.

وبظني أن آمنة أضاءت شموعا كثيرة ، بعض رفض حقيقة الضوء، وبعض آخر تجاهل التوهج لدرجة الإنكار، وآخرون حرقوا أصابعهم وهم يحاولون إطفاء هذه الشموع…

 

 

 

أتلاشى

 

آمنة ناصر

أتلاشى

كدخان  سيجارة

كأنات  قيثارة

كغيمة أنتابها الشك

وفاتها  قطار الأمل بالمطر

فراحت تتعقب آثاره. .

 

أتلاشى

كحلم استعاد وعيه

مثل سر عند البوح اندثر

كانضواء الشمس

في لجج البحر

وانطواء الليل في قلب الزهر ..

 

أتلاشى

كاخبار جريدة الأمس

وتقلبات  الطقس

وانتهاء  اللهفة في   النص

  بعدالنقطة النهائية

كحلم تحقق وصار عاديا

 

أتلاشى

كموجة سارعت شوقا

إلى حصن الشاطىء

فماتت في أحضانه

دون ان تشعر بالأمان…

 

كرسالة دون عنوان

كالإعتراف

كزلات  اللسان

كالكذبة البيضاء في نيسان

كطائر  ضاع في السراب

غاب  …

دون ان  يقصد  الغياب..

 

أتلاشى

كطفل  لا يميز الواقع

عما يشاهده على  التلفاز

وهام  لالتقاط  فراشة

ولم يدر   بأنها  زائفة

كالسعادة محجوبة

عبر  الشاشة..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *