غياب الدكتور ميشال جحا الحاضر في الحياة الأدبية تأليفًا وتعليمًا وصداقات
سليمان بختي
توفى الدكتور والأديب الصديق ميشال جحا (1930-2022) عن 92 عاما وثلاثين كتابا، وثلاثين سنة في اتحاد الكتاب اللبنانيين ومثلها في ندوة العمل الوطني ومع الرئيس سليم الحص، و33 سنة في التعليم الجامعي في الجامعة اللبنانية و22 سنة في الجامعة اللبنانية الأميركية و50 سنة مع سعيد عقل و20 سنة مع أمين نخلة ومثلها مع خليل حاوي وفؤاد رفقة وعمرأبو ريشة وغيرهم. وعمر في رأس بيروت ومناخها العلماني المتنوع الراقي.
هذه السنوات جعلت من عمره في غنى وارف وفي مثل إخضرار أشجار الزيتون في قريته بشمزين التي ولد فيها.
كان دائما على أهبة المبادرة بنشاط أو التفكير بندوة أو إنجاز كتاب.
تعاونّا معا في إصدار 7 كتب له وكان الثامن على الطريق. كما اشتركنا في الإعداد للعديد من الندوات في دار الندوة أو جمعية متخرجي الجامعة الأميركية.
استحوذ عليه هم النهضة ورموزها منذ رسالة الماجستير عن خليل مطران وأكمل إلى سليم البستاني وإبراهيم اليازجي وفرح أنطون وأمين الريحاني وماري عجمي وجوليا طعمة دمشقية وإعلام الشعر العربي الحديث وإلى تقديمه الأعمال الكاملة لأمين نخلة 2014 وتقديم أطروحة خليل حاوي إلى جمعه وتحقيقه أعمال أمين نخلة، وتقديمه “أفاعي الفردوس” لإلياس أبو شبكة وتقديمه “الأرواح الحائرة” لنسيب عريضة والأعمال الشعرية الكاملة لرشيد أيوب. إلى كتابه “من أحمد شوقي إلى محمود درويش”. فقد كان له الباع في العمل على أنطولوجيات مثل “شعراء اعلام في المشرق العربي” 2013 و”أعلام الشعر العامي “ورواد القصة في لبنان” 2008 و”شعراء لبنانيون رحلوا” 2010 و”وجوه نيرة من الجامعة الأميركية” 2011.
كان القلم لديه مثل نشاطه شعلة لا تهدأ ولا تخبو. كان لدى ميشال جحا حلم أن يكتب له أمين نخلة مقدمة لكتاب له ولكن شاءت الأقدار أن يكتب هو مقدمة لكتاب طبع بعد وفاة أمين نخلة وهو ” الأساتذة في النثر العربي”. وكان أمين نخلة يناديه على اسم ابنه “سعيد الآخر”. ولكنه عاد فيما يشبه لمسة وفاء ووضع في مقدمة كتابه “أوراق من كتاب العمر” تصديرا لأمين نخلة حول كتابه المذكرات.
قدم عام 2007 الشاعر محمود درويش في آخر امسية له في بيروت في معرض بيروت العربي والدولي للكتاب. عام 2010 أصدر ميشال جحا كتاب “شعراء لبنانيون رحلوا” ووقعه في معرض الكتاب في أنطلياس ودعا عائلات الشعراء وأقاربهم من كل لبنان للاحتفال بهذه المناسبة ووزع عليهم الكتاب وكانت لحظات إنسانية لا تنسى. كان يردد بأن عاصمة الشعر في لبنان انتقلت من الجبل إلى الجنوب. أما في العشر سنوات الأخيرة فكان يقول “بت أخشى على الكلمة في لبنان”. كرمه المعهد الشرقي الألماني قبل وفاته بأسبوعين وتحدث لنصف ساعة عن ذكرياته في هذا المعهد منذ تأسيسه وتذكر كل أصحاب الفصل والدور والهمة في استمرار هذا المعهد الجليل.
قبل شهرين أخبرني أنه سيترك بيته في رأس بيروت لشهر أو أكثر بسبب ظروف الماء والكهرباء. وكنا نتهاتف ويسأل بلهفة عن اخبار رأس بيروت وجديد المطابع والأصحاب.
لبث ميشال جحا منهمكا في أعماله وأبحاثه فلا عجب أن تطلق عليه الدكتورة إلهام كلاب البساط لقب “قاموسنا الأدبي” أو ما كتبه منصور الرحباني “أن تقرأني أنت فقد قرأني الجميع”.
سنفتقد ميشال جحا بلهفته وانهماكاته ومبادراته. فقد كان ركنا ثقافيا مميزا في بيروت ولبنان ودنيا العرب.