رحيل رضا كبريت بعد عمر في المسرح والحياة والنضال
سليمان بختي
رحل عن دنيانا الفنان المسرحي رضا كبريت (1930-2022).
ولد في صيدا في بيئة شعبية. شاهد طفلا الكراكوز ومجالس الحكواتي في صيدا وبيروت وفتنه هذا العالم. ثم راح يتردد على مسرح فاروق لمشاهدة مسرحيات كوميدية ويحرص هلى حضور مسرحيات شامل ومرعي في المقاصد والجامعة الأميركية.
عام 1952 أسس مسرحا جوالا من 16 شخصا ذكورا وإناثا.
مسرحيته الأولى “ليلة في المخفر” 1953 وهي نقدية لاذعة قدمها في الخندق الغميق وثمن التذكرة شوية شنكليش وخبز مرقوق وقاورما من حواضر البيت وتعرض لأكثر من مرة للتحقيق والاستجواب. قدم المسرحية لآخر مرة في شتورة ولاحظ أن الدرك اللبناني لم يأت لاعتقاله فأنهى المسرحية وذهب الى المخفر لافتا رئيسه أنه قدم المسرحية ضد الدولة ولم يعتقل كالعادة. أدرك أن عليه ان يؤلف مسرحية جديدة أخطر.
استمر في تأليف المسرحيات وتقديمها في الخمسينات والستينات ومنها:” مجنون يحكي” 1953 و”متمدن” و” ثورة على الرجعية” و”يللي بلا مصيبة عجيبة” و”حالة طوارئ” 1959 وشارك فيها 22 ممثلا وجالت في المناطق ومسرحية “المنبوذ” لسعيد تقي الدين.
بين 1968 و1973 كان رضا كبريت مع محترف بيروت للمسرح، مع نضال الأشقر وروجيه عساف ومثل في أهم أعمال المحترف “طبعة خاصة” و” المفتش العام” 1968 بدور “محسوب” و”مجدلون 1و2″ 1969 وقام بدور رئيس الجمهورية و”كارت بلانش” 1970 مع الممثلة المصرية سناء جميل و”اضراب الحرامية” 1971 (طبعت صورته على العملة اللبنانية) و”مرجان وياقوت والتفاحة” 1970 و”ازار” 1973.
كانت مسرحية عمره هي “الستارة” التي ألفها ومثلها مع إيلين ثابت ووضاح فارس وإخراج ميشال نبعة وقدمت على مسرح اورلي ونالت جائزة مهرجان دمشق الدولي للمسرح. كما شارك في عدة مسرحيات مع الشاعر غسان مطر ومثل فيها من بينها :” الساحة” و”نوار” مع مروان محفوظ و”عمي يا بياع النفط”. كما شارك في تمثيل مسرحية “سنكف سنكف” تأليف وإخراج روميو لحود وتمثيل سلوى القطريب وجورجينا رزق وطوني حنا. (https://miedemaproduce.com
قدم أعمالا مسرحية للتلفزيون مثل “مجنون يحكي” و”يللي بلا مصيبة عجيبة” ومسلسل “تاكسي سرفيس” تأليف غبريال بستاني وبطولته مع غلاديس أبو جودة.
عام 1972 شارك في تمثيل فيلم “ملكة الحب” مع حسين فهمي وعادل أدهم.
سألته الناقدة خالدة سعيد كيف تعلمت التمثيل:” كنت أمثل كي لا أرى أمي تبكي. وتعلمت من ملاحظة الناس وتعابيرهم. لا أحب الدراما ولكن أصل اليها عن طريق الكوميديا”.
رضا كبريت قامته قصيرة ووجهه مستدير ويحتفظ بطفولة شقية ويتحرك برشاقة.
كان من بين عشرة من مبدعي المسرح في عشر دول عربية وأجنبية كرمهم مهرجان القاهرة الدولي في العام 2000. كما كرمته وزارة الثقافة اللبنانية بدرع تكريمي.
انتمى الى صفوف النهضة باكرا قوميا ملتزما واعتقل اثر انقلاب القوميين عام 1960 وكان صاحب البسمة الأمضى في سجون القوميين.
يروى عنه انه حاول مرة استمالة شاويش السجن بأن لديه معلومات هامة حول الدولة التي كانت وراء الانقلاب فاستدعاه المحقق ليسمع افادته: وبعد لأي ومماطلة وتمثيل دور الخائن الحائر قال:”اليابان وراء الانقلاب سيدنا” فانهمرت عليه اللكمات واللبطات.
رفع العميد ريمون اده “بروتال” رضا كبريت الملطخ بالدماء في احدى جلسات البرلمان قائلا:”هيدا دليل التحقيق الحضاري مع القوميين”.
سئل مرة لو لم تكن قوميا فماذا كنت فأجاب:”قبضاي من بيروت او عضو في حزب النجادة او صاحب بسطة خضرة. انا لست متعلما واكبر شهادة عندي هي شهادة السواقة وشهادة فقر الحال”.
والى جانب المسرح كان رضا كبريت من أقطاب الحركة النقابية في لبنان ومن المؤسسين لنقابة عمال ومستخدمي الجامعة الأميركية ورئيسا لها 1990-2000 ورئيسا فخريا لها مدى الحياة. وكان صاحب اطرف جواب حول علاقته بالجامعة “انا بشتغل بالجامعة”.
وهو الصديق والقريب الذي يبتدع اللطائف والطرائف والضاحك الساخر وينتزع الابتسامة منك رغم كل شيء.
فجع في السنوات الأخيرة بوفاة ابنته ودخل الحزن الى قلبه.
له حصة كبيرة في رأس بيروت وناسها وأماكنها وشوارعها.
وعندما يرحل رضا كبريت تفقد الحركة المسرحية وجها أصيلا وتفقد المدينة رونقها وتفقد رأس بيروت معلما من معالمها.
بعد ان عرف رضا ان زوجته حامل… سأله صديق عن الأسم الذي إختاره للوليد الجديد… فاجاب إذا كان صبيا فسأسميه ” عود ” و إذا كان فتاة فسأسميها” علبة”
عود كبريت
علبة كبريت