زيلنسكي وقراءة التاريخ
جبرايل مدور
عندما حاصر الجيش العثماني الأمير فخر الدين في مغارة جزين (بعد خيانة تعرض لها) حاول كبار مساعديه الذين كانوا معه في المغارة أن يقنعوه بمواصلة القتال.
أدرك فخر الدين يومها أن مواصلة القتال سيدمّر الإمارة وكل الانجازات المعمارية التي حققها في فترة حكمه. خاف على القلاع والجسور والمرافئ التي أنشأها فقال: لا نريد أن نهدم ما أنجزناه، ووافق على وقف القتال والذهاب الى اسطنبول.
قد تكون السياسات التي ينتهجها الحكام مدمّرة لبلادهم على يد البلدان العظمى المجاورة لها وهذا ما حصل في بلدان كثيرة على مَرّ التاريخ.
لا يمكن للمراقب لما يجري في أوكرانيا اليوم إلا أن يسجل الوقفة الشجاعة للمقاتلين الأوكران في وجه زحف الجيش الأحمر، غير أن المعركة تجري على الارض الاوكرانية ومقتل المدنيين الاوكران ونزوحهم عن بلادهم والدمار الكبير يحصل فيها.
قد يكون الاوكرانيون يدفعون ثمن سياسة زعمائهم الذين حلموا بالانسلاخ الابدي عن روسيا والانضمام الى المجموعة الاوروبية والى حلف الناتو، لكنهم بعد كل الذي جرى يقاتل الاوكرانيون وحدههم ويواجهون الزحف الروسي الذي لم تردعه آلاف العقوبات المفروضة على روسيا.
أربعون مليار دولار من المساعدات الحربية لاوكرانيا ستبقي الجيش والشعب فيها يقاتلون لوحدهم بغض النظر عن عدد المرتزقة الذي سينضم إليهم في القتال.
وحتى هذه اللحظة لا يزال الحلم الاوكراني بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي والناتو معلقّا وغير قابل للتنفيذ، وهذا ما يدركه الرئيس الاوكراني الذي قالها صراحة وجهارا لقد تركتموني أقاتل وحدي.
وعلى الرغم من الثمن الكبير الذي ستدفعه أوروبا من جراء هذه الحرب، لم يستطع الاوروبيون إقناع بوتين بوقف الاجتياح المعلق على شرط إعلان حياد اوكرانيا من قبل رئيسها الذي لا يزال يتوسل من الغرب فرض منطقة حظر جوي في أجواء بلاده ومن دون جدوى.
يبدو أن زيلنسكي لا يقرأ التاريخ جيدا، على الرغم من أن ما حصل في أفغانستان لم تمضِ عليه سوى بضعة أشهر.
حرب أوكرانيا تهدد باندلاع حرب عالمية ثالثة. فالحرب العالمية عادة تحصل بعد كل جائحة تضرب الكرة الارضية ويعزو المؤرخون ذلك الى الخروج من الركود الاقتصادي للدول بفعل الجائحة، فتنشط الصناعات الحربية بعد الركود، ولكن في الوقت ذاته ينشط القتال وتموت الناس في الحرب بأعداد أكبر من وفيات الجائحة.
على أمل أن يستعيد زيلنسكي قراءة التاريخ ليتعلم منه. أما آن الاوان أن تنتهي هذه الحرب قبل أن تشعل العالم؟