الحرب الباردة – الجزء الثاني: نصائح هنري كيسنجر لحل أزمة أوكرانيا
المحامي معوض رياض الحجل
مع بدء العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا في شباط 2022، كثرت الاسئلة والتحاليل حول أسباب قيام روسيا الاتحادية بالعملية العسكرية والأهداف والحلول المُستدامة لانهاء هذه الازمة المُستجدة بين البلدين والتي أخذت طابعا دوليا ولم تعد مُجرد عملية عسكرية ضد بلدٍ مجاور تنتهي أما بإحتلال البلد أومُقاومة شعبهِ للاحتلال، إذ أن العالم اليوم أصبح مُجدداً وبعد انتهاء الحرب الباردة في العام 1991 مُقسما بين مُعسكرين لا ثالث لهما: قسم موال للسياسة الغربية التي تعتبر أن روسيا الاتحادية تستحق كل أنواع العقاب والحصار بسبب قيامها بالعملية العسكرية ضد أوكرانيا، المُعسكر الثاني المؤيد للاتحاد الروسي ويعتبر أن أوكرانيا هي التي أرتكبت أخطاء فادحة عندما أنتهجت سياسة مُعادية عرقياً وثقافياً لجارتها الكبرى روسيا أيقظت على اثرها الدب الروسي من سباتهِ وبالتالي عليها تحمل نتائج تصرفاتها.
لناحية الاسباب التاريخية لشن الحملة العسكرية، فقد بررها الرئيس فلاديمير بوتين بأعتبارهِ أن أوكرانيا صنيعة قائد الثورة البوليشفية فلاديمير أيليش لينين حيث منحها عن طريق الخطأ إحساساً بالدولة من خلال السماح لها بالاستقلال الذاتي داخل الاتحاد السوفياتي المُنشأ حديثاً حسب زعم الرئيس بوتين.
قال الرئيس بوتين: “لقد تم إنشاء أوكرانيا الحديثة بشكل كامل من قبل روسيا وعلى وجه التحديد من قبل البلاشفة الروس”. “بدأت هذه العملية عملياً بعد ثورة 1917 وعلاوة على ذلك، قام لينين ورفاقهِ بذلك على حساب روسيا من خلال تقسيم أراضيها التاريخية وتمزيق قطع منها”.
رغم أن الزعيم الروسي أعلن في عدة مُناسبات أن أنهيار الاتحاد السوفياتي كان أكبر كارثة من الناحية الجيوسياسية خلال القرن العشرين، لكن يبدو أنهُ يحاول أن يُصحح الخطأ التاريخي الذي وقع فيه مؤسس الاتحاد السوفياتي لينين، حسب رأيه، عندما تم تأسيس الجمهورية الأوكرانية بعد أنتهاء الحرب الأهلية التي تلت الثورة البولشيفية 1917.
بدورهِ نشر وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر(1973-1977) بتاريخ 6 آذار 2014 مقالاً يشرحُ فيه رؤيتهِ التاريخية والسياسية حول الازمة السياسية في أوكرانيا في صفحة الرأي في صحيفة “الواشنطن بوست” بعنوان “كيف تنتهي الازمة الاوكرانية”.
إن النقاش العام حول أوكرانيا بحسب كيسنجر يتمحور حول المواجهة، من دون أن يعني ذلك أن الولايات المُتحدة الاميركية تُدرك إلى أين يتجه الأمر، مُذكراً أنهُ شهدَ في حياته المهنية أربع حروب بدأت بحماسة كبيرة ودعم شعبي، “ثلاث” تم الانسحاب منها بصورة أحادية وتالياً فإن المهم في الحروب كيف تنتهي، لا كيف تبدأ، إذ أعتبر أن المسألة الاوكرانية تُطرح على أنها صراع بين الشرق والغرب، فإن على كييف أن تكون جسراً بين الاثنين، ذلك أنهُ على روسيا الأتحادية القبول بإن محاولة جعل أوكرانيا دولة تدورُ في فلكها سيكون أعادة لتاريخ من الصراع مع أوروبا والولايات المُتحدة الاميركية، وعلى الغرب أن يفهم أن أوكرانيا لن تكون يوماً مُجرد بلد جار لروسيا الاتحادية، فقد كانت جزءاً منها على مدى قرون، كما أن معركة بولتافا عام 1709 التي تعد من رموز الحرية الروسية، خيضت على الارض الاوكرانية.
ورأى كيسنجر أن على الاتحاد الاوروبي الاقرار أن اجراءاتهِ البيروقراطية والأخطاء في التفاوض مع أوكرانيا حوّلت المسار التفاوضي إلى أزمة، ذلك أن ” السياسة الخارجية هي فن تحديد الاولويات”.
في نظر هنري كيسنجر أن العامل الحاسم في هذه الأزمة هو الأوكرانيون أنفسهم، فهم ينتمون إلى بلد بتاريخ مُعقد، الجزء الغربي منهُ ضم إلى الاتحاد السوفياتي عام 1939، بينما صار القرم و60 في المئة من سكانهِ من الروس، جزءاً من أوكرانيا عام 1954 في عهد نيكيتا خروتشوف الأوكراني المولد. أضف الى ذلك، أن غرب أوكرانيا كاثوليكي بمعظمهِ بينما الشرق أرثوذكسي بغالبيته. الغرب يتحدث الاوكرانية والشرق يتحدث بالروسية. وأي محاولة من أي جناح أوكراني للهيمنة على الاخر ستقود إلى حرب أهلية أو إلى انفصال.
اعتبر هنري كيسنجر أن الغرب وروسيا الاتحادية تجاهلا كل تلك الحقائق. وعلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أدراك أن الخيار العسكري يؤدي إلى حرب باردة جديدة، وعلى الولايات المتحدة التوقف عن أعتبار أن على روسيا الاتحادية الخضوع لقواعدها، مع الاقرار بإن فهم التاريخ الروسي ليس نقطة قوة لصانعي السياسة الاميركيين. عرض هنري كيسنجر تصوره لما يتوجب على الجميع فعله لحل الازمة الاوكرانية:
أولاً، أن يكون لاوكرانيا الحق في أن تختار بحرية صلاتها الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك في أوروبا. ثانياً، ليس عليها الأنضمام إلى حلف شمال الاطلسي. ثالثاً، أن تتمكن من أختيار الحكم الذي يُجسد أرادة مواطنيها، من دون مُعاداة روسيا. رابعاً، إن ضم روسيا للقرم يُخالف قواعد النظام العالمي القائم، وعلى أوكرانيا تعزيز الحُكم الذاتي في القرم.