سجلوا عندكم

غادة السمروط وداعًا…

Views: 868

د. مصطفى الحلوة

 

يا وجعَ الكتابة الإبداعية والأدب الفلسفي!

تأبَّطَتْ كلمتَها لتعبُرَها بالكلمة، في حالةٍ من جدل الكلمة والعبور ،لاينتهيان !..تأبّطتها، عَبْرَ طقوسية، لايُؤتاها إلّا أهلُ العرفان، عابرةً إلى فَناءٍ إبتغاءَ بقاء، وحُقَّ لها البقاء!

عرفتُها، وقد بلغَتْ درجةً علِيَّةً في فَنَّي الكتابة الإبداعية والأدب الفلسفي، تحملُ صولجانهما، إذْ لا سُلطانَ يعلو سُلطانَ الكلمة، تحملُه ،تُطوِّفُ به، وقد شُرِّعت لها أبوابُ الفكر ،فدخلَتْ ساحاته، وأبلَتْ فيها البلاء الحسن، نامَّةً عن ثقافة موسوعية، وكان أن حجزت لنفسها مكانًا تحت الشمس!

لن أرثيكِ، غادة، فأنتِ من أهلِ البقاء، يتهالكُ لديكِ الجسدُ ويبلى،ولكن ما حبّرَ القلمُ وما فاض به الفكرُ باقيان على الزمن!..لقد خلّفتِ للفكر العربي وللمشتغلين به زادًا معرفيًّا، وأيَّ زاد!

واكبتُكِ، غادة، بل شرُفتُ بمواكبتكِ في كل نتاجكِ، وكان نصيبي ثلاث مراجعات نقدية ،لثلاثة من مؤلفاتكِ، ورابعة المراجعات بين يديَّ، لكتاب لكِ، كان يؤمَّلُ أن يصدرَ في مُقبل الشهور، وعنوانه” ومضات فارسية”، وقد قرأتُ بين تضاعيفه رحيلَكِ المنتظر، لشدَّة ما ينضح به من ألمٍ ووجعٍ، يُشارفان حدَّ الفجيعة، جرّاء “تبعثر” الأبناء(فوارسُكِ الأربع-بناتُكِ-وفارساكِ-إبناكِ-) في أربع جهات الأرض !

بداية المشوار المعرفي، تمثّل في مراجعة نقدية لي، لباكورة نتاجك البحثي:”الفناء والبقاء في أعمال باسمة بطولي الفنية والشعرية” (1/11/2016).ولأهميّة هذا المؤلَّف ،الذي ضارعتِ فيه الشاعرة والفنانة التشكيلية باسمة بطولي،فقد أوصيتُ باعتماده مقرّرًا دراسيًّا،في قسم الفلسفة(كلية الآداب-الجامعة اللبنانية)، إذْ يصلُحُ نموذجًا تطبيقيًّا،  في مجال الأدب الفلسفي. علمًا أن هذه المراجعة ،نُشرت في موسوعتي”80 كتابًا في كتاب”(2017)

وعن المحطة المعرفية الثانية، فكانت في مراجعتي لكتابها:”عندما أعبُر الكلمة بالكلمة(8 شباط 2018)، وهو كتابٌ”كشكولي”، من حيث موضوعاتُه، مُطلَّةً من خلاله على قضايا متعدّدة، تندرج جميعها تحت باب الشعر. وقد أبرزتْ قدرةً فائقة ،في استنكاش النصوص الشعرية واستنباش ما تستبطن من دلالات، وما تختزن من رموز، وما تحوي من مساحات إلغاز !..وقد توسّدتْ مراجعتي كتابي الموسوعي “مطارحات في أروقة المعرفة”(2021).

 

أما المحطة الثالثة، فهي تقديمٌ مُسهب لكتاب لها ،عنوانه”..وعُدتُ إليَّ”،صدر العام الماضي،وهو يضمُّ مجموعة من الخواطر التأمّليّة،التي تلامسُ حدود الفلسفة. ولسوف تحتلُّ هذه المراجعة /التقديم مكانًا في كتاب لي ،سيصدر في مُقبل الشهور،عنوانه:” من بيادر الكتابة الإبداعية والأدب الفلسفي”

وعن المحطة الرابعة”الأخيرة”-وقد لا تكون الأخيرة لأن نتاج غادة الفكري باقٍ، ولو رحلت بالجسد!- فهي تتمثّل في مراجعة/مقدّمة لي، تتصدُرُ الكتاب العتيد، الذي سبق ذكره،”ومضات فارسية”. لقد استودعتني هذا الكتاب ،المترع وجدانيةً، ولن أخلف الوعد ، فوعدي عهدٌ ! ولسوف يصدر الكتاب ، عن “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة الثقافي”، بهمّة رئيسته الصديقة المهندسة والأديبة ميراي شحادة حدّاد، وسيكون حفلٌ تكريمي للراحلة الغالية، تتخلله ندوة حول هذا الكتاب .

..وفي المقلب الآخر ،من مشوارنا المعرفي، فثمة محطتان، أدينُ لراحلتنا الغالية بهما: أولاهما مراجعتها القيّمة  لموسوعتي، آنفة الذكر” 80 كتابًا في كتاب”.وعن المحطة الثانية، فعبر مشاركتها في مقاربة كتابي الموسوعي” مطارحات في أروقة المعرفة”، الذي تمّ إطلاقه في حفل تكريمي لي،من قبل وزارة الثقافة،بجامعة البلمند(11 كانون أوّل 2021)..ومنذ ذلك الحين لم أرَها، ولكن كان بيننا تواصلٌ هاتفي ! جاءت غادة إلى هذا الحدث، وقد بدا التعبُ عليها..فقدت نضارةَ المُحيّا، ولكنها لم تفقد نضارة الفكر، فأفلحت في جذب انتباه الحضور، وهي تُدلي بمراجعتها النقدية، بصوت متهدّج ! وكم آلمني ذلك، وشعرتُ بأزمة ضمير، إذْ عرّضتُها لموقف لا أرتضيه ! ولعلها كانت تريدُ أن تردّ تحيات مراجعاتي النقدية لمؤلفاتها بمثلها، بل بأحسن منها، وقد كسبتْ الرهان! علمًا-وأُشهد الله- بأنني لا أرتجي، من كلّ من شرُفتُ بمراجعة مؤلفاتهم -وهم بالعشرات- لا أرتجي جزاءً ولا شُكورًا !

نَمِي غادة ،قريرةَ العين، في لحدكِ، حيث صقيع الضنية الجليدي يُجمّدُ الدم في العروق ! ولكنه لن يقوى عليكِ، فنُورُ حضوركِ مُدفِئُه..لن يقوى عليكِ ،لا صقيعٌ ولا زمهرير !

العزاء، كل العزاء، لرفيق دربكِ الصديق المفجوع أحمد يوسف ،وقد غادرته في مرحلة تميّزت بنتاجكما الادبي الوفير..والعزاء ،كل العزاء،لفوارسكِ الأربع ولفارسَيكِ، وهنّ وهما فِلذة من كبدك، والعزاء لجامعتنا الوطنية، ولكل قادريك من أصحاب القلم..وأختم، دامعَ العينين ،متفطّرَ القلب:” نفسي حزينةٌ حتى الموت!”.

رحِمكِ الله ،غادة، رحمةً واسعة ،وجعل الجنة مُستقرَّكِ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *