الحلقة الثانية والعشرون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول
*“للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)
يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…
كابي
(٢٢)
تشرف الشقة السكنية التي يسكنها الاستاذ رفيق على العاصمة. وقف حنا على شرفتها ينظر الى بحرٍ من الأضواء الصغيرة المتلاصقة ببعضها البعض. استفاق حنا من دهشته على صوت الاستاذ رفيق الذي فاجأه بسؤاله عن المشهد الجديد.
⁃ هل أعجبك ليل العاصمة يا حنا؟ أنت تراها الآن من فوق. أما ليل شوارعها فخلاّب ومثير. لا تنام العاصمة يا حنا، والناس يسهرون فيها حتى الصباح، في ملاهيها الليلية وفنادقها الفخمة وعلب الليل. إن جئت للعمل فاهتم به فقط ولا تهتمّ بمغريات الحياة فيها، وتذكّر أن لديك عائلة وولد بحاجة الى الرعاية والتربية لكي يكون على خلق حسن.
⁃ ماذا ستفعل المغريات بعامل بسيط مثلي من ذوي الدخل المحدود؟
⁃ أنا أعلم أن دخلك لن يسمح لك بحياة البذخ والسهر ولكن المغريات تستطيع أن تجذبك الى ما لم تتعوّد عليه من قبل. قُل لي ما اسم المطبعة التي تقدمت للعمل فيها؟
⁃ المطبعة الحديثة.
⁃ هل تخشى أن ترسب في الاختبار التقني غدًا.
⁃ قد تكون الماكينات أحدث من التي أعمل عليها في عاصمة المحافظة.
⁃ أتريدني أن أتصل بالمطبعة؟
⁃ لا يا أستاذ فدخول المطبعة ليس كدخول المدرسة. قد ينفع الاتصال بإدارة المدرسة لقبول تلميذ فيها. أما المطبعة فليست بحاجة الى تلميذ بل الى “مْعلِّم”.
⁃ أحسنت.
(يتبع غدا)
***
*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء