جوزف ستالين والحرب العالمية الثانية (1)
د. إيلي جرجي الياس
*الحلقة 13 من سلسلة القيادات الروسيّة والسوفياتيّة 1900-2022، رؤية تحليليّة واستراتيجيّة!!
علاقة جدلية وصعبة وغامضة، بين الزعيمين السوفياتيّ الشيوعيّ جوزف ستالين، والألمانيّ النازيّ أدولف هتلر… سواء اتّفقا عشية الحرب العالمية الثانية، فحلّت الكارثة على مجالهما الحيويّ المشترك: بولونيا مثالاً، وسواء اختلفا حين قرّر هتلر غزو الاتّحاد السوفياتي يوم 22 حزيران 1941 فكان الحقد الألمانيّ الدفين والثأر السوفياتيّ العظيم، وفي كلتي الحالتين، لا مكان لعلاقة إنسانية، صحيحة وصريحة بين الطرفين، ولو كانا أعنف وأعند ديكتاتورين عبر التاريخ…
ما بال جوزف ستالين، المستبدّ المخضرم الشديد الريبة والشكّ بالجميع، يستعيد، مع دخول القوات الألمانية الأراضي السوفياتية، شخصية الثائر الساحر عاشق الحياة والنصر؟! وما باله والألمان على أبواب موسكو، يبحث بين دفاتره البلشفية القديمة، عن الله، يستحضره داعماً للحقّ الروسيّ في مواجهة النازية؟! وما باله، حين ينتصر، لن يجد الثأر ألّا على أنقاض برلين المدمّرة بالكامل؟! “يقيناً أن الفوهرر أدولف هتلر، رغب أن يحيط نفسه بهالةٍ من الغموض، وأن يزرع الريبة والشكّ في نفوس محيطه، وأن يترك مجالاً واسعاً للاحتمالات والامكانيات العديدة وحتى المتناقضة! هذه شخصية هتلر، الغامضة في العمق، المعقّدة في الاطلالة والحضور والتحليل، الغنية في أسرارها وأبعادها، وهي بحاجة دائمة الى الدراسة المتواصلة، لسبر أغوارها، وإدراك مزاياها، وبلوغ الحقيقة الناصعة!
لا يقلّ الزعيم السوفياتيّ الشيوعيّ، جوزف ستالين، ديكتاتوريةً وتصلباً وعنفاً واستبداداً وثباتاً عن الزعيم الألمانيّ النازيّ، أدولف هتلر، ولو أن الهجوم الألماني العنيف والقاسي على الاتحاد السوفياتي، غيّر شيئاً من شخصيته العنيدة والقوية، باتجاه توحيد كل الروس والسوفيات في مواجهة الاحتلال الالماني النازي الضخم والهائل وغير المسبوق، وباتجاه التحالف مع الغربيين بطريقة سياسية وعسكرية بالغة في التعقيد، ولكن بإدارة ذكية وحاسمة من جوزف ستالين…
ولكنّ ما فعله الفوهرر لم يمرّ ولن يمرّ أبداً لدى ستالين الذي عدّ أسلوب هتلر انقلاباً على ثقة ستالين به، وعلى صداقة كانت خدعة هتلر الكبرى! ولستالين، لحظة طال انتظارها وجاءت: لحظة الثأر من النازيين!
إنتظر ستالين انقلاب السحر على الساحر الفوهرر، بفارغ الصبر، وأراد منذ لحظات النصر الأولى، أن يشعر النازيون بذلّ ما بعده ذلّ وبهزيمة ليس مثلها هزيمة! فمثلاً احتفالاً بانتصاره، أمر ستالين بتنظيم عرض دعائي ضخم، في عدة ساعات، بدءاً من صباح 17 تموز 1944، مشى صف طويل مكوّن من أكثر من سبعة وخمسين ألف أسير حرب ألماني، يتقدمهم جنرالات وضباط، عبر موسكو. اصطفت حشود من سكان موسكو على جانبي الشوارع لتشاهد هذا العرض الاستثنائي. ووسط صيحات الحضور بهتافات التحية لستالين، والموت لهتلر، انطلق ستالين في انتقامه الكبير والتاريخيّ!” (*د. إيلي جرجي الياس، أدولف هتلر وإيفا براون من برلين إلى الأرجنتين حبّ أقوى من الحرب، دار سائر المشرق، 2019، ص 53، 54).
***
* د. إيلي جرجي الياس، كاتب، وباحث استراتيجيّ، وأستاذ جامعيّ.