سجلوا عندكم

جبران يحدد وظائف الصحافة في خلال مشاركته باليوبيل الفضي لجريدة “الهدى”

Views: 280

المحامي معوض رياض الحجل

تُحفر في ذاكرة الشعوب على مر الزمن لحظات تاريخية مهمة مثل اندلاع الحروب الكبرى أو انتهائها، الثورات ضد الاستعمار، الاكتشافات العظيمة الخ… ولكن هناك لحظات مُشرقة وأبداعية في تاريخ البشرية ولا تتكرر، خاصة تلك التي تشهد على لقاء القمة بين عمالقة الأدب والفكر الحديث، أمثال جبران خليل جبران ومخايل نعيمة ونعوم مكرزل، تحت سقفٍ واحد وفي لحظة واحدة، ليقولوا في بلاد المهجر ما عندهم حول الصحافة والأدب والفكر والتنوع والرُقي…

اللحظة هي السابع من نيسان من العام 1923.

 

أهمية هذا التاريخ العظيم تتلخص بولادة لقاء فكري ابداعي بين كوكبة من الشعراء والادباء والمُفكرين وعلى رأسهم جبران، الذي القى بالمُناسبة خطابا هاما جداً حول وظائف الصحافة…

واليكم الحكاية:

“في مساء السبت الموافق في السابع من نيسان من العام 1923 ولمناسبة اليوبيل الفضي لتأسيس مجلة الهدى لصاحبها ورئيس تحريرها نعوم مكرزل، أقيم احتفال ضخم وفريد من نوعهِ في أكبر قاعات فندق “بوسرت” الشهير في بروكلين. ولم يكد المدعوون يصلون تباعاً إلى الردهة المُعدة للاستقبال، حتى أخذ الجميع بالثناء والمديح على اللجنة المُنظمة التي كرّست كل وقتها وجهدها في سبيل جعل الاحتفال خير مثال للذوق السليم والترتيب الحسن، وزاد ثناؤهم عندما وصلوا إلى القاعة الكبرى ورأوا كيف أنهُ بفضلِ عناية اللجنة المُنظمة وترتيبها المُتقن أهتدى جميع المدعوين إلى اماكنهم المعينة وجلسوا عليها بفترة لا تزيد على الخمس دقائق. أما برنامج الاحتفال فكان كبطاقات الدعوة بالغاً حد التفنن والاتقان لما يليق بالمدعويين والمناسبة العظيمة. (Tramadol)

 

تَذوقَ المُدعوون المأكولات الشهية فكانت من أفخر الانواع وأجود الاصناف ولكن الحضور أتوا للغذاء العقلي وليس فقط الجسدي. لحظَ ذلك مدير الانخاب السيد يوسف نعمان فقام حالما أنتهى المدعوون من تناول العشاء وأخذَ ينثرُ عليهم من درر الفاظهِ وفصاحة مبانيه وبلاغة معانيه ما جعلهم يُقاطعونهُ بالتصفيق الحار مراراً وتكراراً. وقد أثنى السيد معلوف على المكانة العليا التي أحرزها صاحب جريدة “الهدى” ورئيس تحريرها الاستاذ نعوم مكرزل في قلوبِ مواطنيه وبين ما يلاقيه الصحافي من المشقات الكثيرة وما للصحافة من التأثير المُباشر والفاعل والايجابي على حياة الأمم والشعوب.

ولم يكد ينتهي التصفيق الطويل الذي عقبَ خطابهُ حتى وقفَ ثانية وقدمَ إلى المدعوين الكبير جبران خليل جبران، الذي لم يكد يلفظُ أسمهُ حتى دوت القاعة بالتصفيق الحار، فقابلَ جبران ذلك بالتبسّم،  ثم بدأ الكلام، فبين ما للصحافة من التأثير على حياة الافراد والامم وما لها من الخدمات في سبيل ترقية المدنية الحاضرة، وقال في سياق كلامه ما مفاده: 

“مهما أختلفت مشاربنا الدينية ونزعاتنا السياسية فالسيد نعوم مكرزل مُنشىء الهدى رجل كبير جدير باعتبارنا وأكرامنا، فأنهُ علاوة على علو مركزهِ بين العلماء والادباء، كان خير قائد لجمهورٍ كبير من مهاجرينا وكانت جريدتهُ مدرسة كبرى لقارئيها”.

 

 ولم ينته من كلامهِ حتى عاد تصفيق الاستحسان الذي قاطع خطابه تكرارا.

ثم توالى على الكلام العديد من المُفكرين والادباء وهذا مُقتطف مما قالوه نثراً أو شعراً:

الأميرة جمال فيلون الحلو:

“نعوم مكرزل أمير الصحافة العربية”.

الامير يوسف شديد أبي اللمع:

“نعوم مكرزل يُنشد الحرية والرُقي ويُضحي في سبيل لبنان المُفدى بكل غالٍ وعزيز”.

سلوم مكرزل شقيق المُحتفل بهِ وصاحب المجلة التجارية السورية الاميركية:

“أنشأ جريدة الهُدى رجل ترعرعَ وشب بين المحابر والدفاتر وظهر فيما بعد من مقدرتهِ اللغوية ما جعلهُ معدوداً بين ايمة علماء اللغة العربية دون منازع”.

عفيفه كرم:

“نعوم مكرزل واحد من الذين بلغوا القمة أو كادوا، كما يظن المتفرجون، لانه توارى عن أعينهم، أما في عين نفسهِ الطموحة، فهو لما يزل في سفح جبل أعمالهِ، وأمامهُ الكثير من التضحيات والمشقات التي الفها فهو من الرجال الذين يعملون بمنتهى قوتهم ما زالت الحياة، ولا يوقف سير أعمالهم الا الموت، فيتركُ العمل الذي يحسبهُ غيره قد أتمهُ، ويحسب هو نفسهُ مبتدئاً به”. 

الشاعر سليمان كرم:

“نعوم خط بنوده بيراعه/فاقروا البنود وطالعوا الارقاما/تجدوا المطالب حجة مكتوبة/تولي البنين بارثهم أحكاما” 

الشاعر أسعد رستم:

“الهدى أوسع الجرائد صدراً/وهو أرقى شأنا وأرفع قدراً/صانه الله في سما العلم بدراً/ووقاه من الحواسد غدرا”

الأديب وليم كتسفليس:

“أنك يا صديقي نعوم كنت ولا تزال العامل النشيط في حقل الاله الحقيقي (المعرفة) لأن الله هو المعرفة والمعرفة هي الله.”

د. الياس مسلم:

“أرجو أن يظل قائماً بها إلى ما شاء الله، قليلون هم الذين أدركوا شأوه من حملة الاقلام في معالجة المواضيع الأدبية والاجتماعية والوطنية، واني أتمنى أن يُكثر الله بيننا من أمثالهِ سواء من حيث المقدرة وطول الخدمة للمبادىء الشريفة”.

د. نجيب بربور:

“لا يختلف بصيران في أن اكرامنا لجريدة أجتازت الخامسة والعشرين من حياتها الصحافية باذلة مُنتهى الجهد في أعلاء شأن الصحافة الحرة وتأييد مصلحة الأمة أنما هو اكرام للصحافة والأمة معاً، وبمثلِ هذا المشروع يظهرُ الرقي الشعبي الحقيقي”.

مخايل نعيمه:

” الناس بالنيات، والاعمال بالنيات، والصحافة بالنيات، فويل للأمة التي فسدت نيات أولياء صحافتها وطوبى، بل الف طوبى، للأمة التي تسود حقول جرائدها ومجلاتها أقلام مُخلصة تُديرها عقول نيرة وقلوب نقية”.

الشاعر ملحم الحاوي:

“لكن اليوم بحيث يوبيل الهدى/كرمالها خففت ضرب المطرقه/كرمال (خواطرها) ودررها المُثمنة/وخطرات قلم نعوم الها مزينه/أنشالله ترى اليوبيل لخمسين سنة/بوقتها كمان بنظم قصيدة شائقه/بوقتها كمان بنظم قصيدة مطنطنه/تردد صداها أربع أقطار الدني”

عبد المسيح حداد صاحب جريدة “السائح”:

 ” أكبر ما في المحتفل بهِ ثبوتهِ في عملهِ وأجتهادهِ المُتواصل وأن رجلاً حاربَ حرباً مُستمرة فوقع فيها ثم نهضَ ثم وقعَ ثم نهضَ وأنكسرَ ثم أنتصرَ ثم أنكسرَ ثم أنتصرَ وظل خمساً وعشرين سنة مُحافظاً على علم بيدهِ لرجل أهل أن تهز يده هزا كثيرا”.

الشاعر ندره حداد:

” وافى اليك بنو الاشم/كباره واكباره/وسعى لتكريم الهدى/أحراره وحرائره/يدعون أن يحيا طويلا/والاله يناصره/ليروا له الذهبي تسطع/في الوجود جواهره”

الكاتب أسعد الملكي:

“الصحافي الحقيقي هو الذي يَنشرُ في جريدتهِ الحق ولو على نفسهِ ويعترف بالفضل حتى لاعدائه” 

يعقوب روفايل صاحب مجلة الاخلاق الزاهرة:

“الرجل الذي أعتبرهُ وأحبهُ بكل ما في قلبي من عاطفتي الاعتبار والحب لان لهُ حقاً أدبياً علي الرجل الذي أجتمعنا للاحتفال بيوبيلهِ الفضي والذي أرجو أن تطول حياته وحياتكم لتحتفلوا بيوبيله الذهبي”.

الشيخ عباس أبي شقرا المُساعد الاول في تحرير الهدى:

“أنفقت ربع قرن تخدم مبدءا/وعسى الى اتمامه نتوفق/اسمى المبادىء خدمة وطنية/واجل عمر في الصحافة ينفق” 

الأديب أسكندر جرجس انطوان:

“صرف السنين مجاهداً لا يختشي/بجهاده من طارق الحدثان/خدم الصحافة وهو من جعل الهدى/ترسا له للذود عن لبنان” .

 

خطاب جبران خليل جبران

وظائف الصحافة 

للصحافة وظائف كثيرة كلها نافعة وكلها نبيلة.

أما أظهر تلك الوظائف وأبينها فنشر أخبار الناس للناس وأعلام الناس بافراح وأوجاع وأعمال وما تي الناس، وبهذه الواسطة يتوسعُ نطاق العقلية البشرية لان البشرية هي واحدة في كل مكان فما يحدث لامرىء، واحد في مكان واحد يحدث لكل امرىء، اخر في كل مكان اخر. 

نقرأ في الجريدة أن رجلاً قد اكتشف سراً من أسرار الطبيعة فنجدُ لذة فائقة ذلك لان في باطن كل واحد منا الميل إلى اكتشاف سر من الاسرار الخفية. 

نقرأ في الجريدة أن رجلاً قد اكتشفَ كنزاً من كنوز الامم الغابرة فنجدُ لذة بهذا الخبر لان كل واحد منا يتمنى أن يكتشف كنزاً من الكنوز.

نقرأ في الجريدة أن رجلا ممتازاً قد تزوج من أمرأة جميلة فنرتاح إلى الخبر لان كل واحد منا يشعرُ في كيانهِ تلك المُميزة وأن المرأة التي أحبها وسوف يُحبها هي المرأة الجميلة. 

نقرأ في الجريدة أن رجلاً قد أقتحم النار أو الماء لينقذَ من الخطر طفلاًأو عجوزاً فنسر لهذا الخبر لان البسالة والبطولة مختبئتان في كل رجل وكل رجل يتمنى أن يكون مُنقذ الطفل أو العجوز. 

وأني اتمادى واتطوح قائلاً، أننا نقرأ في الجريدة خبر جريمة، نقرأأن رجلاً قد قتل اخر فنتابع دقائق وتفاصيل الحادثة مُترقبين الغد لعل الجريدة تأتينا بما بقي من الدقائق والتفاصيل، وما هو السبب يا ترى؟ السبب يا سيداتي وسادتي هو أن كل واحد من قاتل وكل واحد منا قتيل.

نقرأ في لجريدة أخبار العالم، والعالم هو نحن، فما نتوهم أنهُ يحدثُ في خارجنا يحدث حقيقة في داخلنا.

الوظيفة الثانية: وقوف الجريدة بجانب مبدأ من المبادىء

أما الوظيفة الصحافية الثانية فهي أن تقف الجريدة بجانب مبدأ من المبادىء الوطنية أو العمرانية أو السياسية أو الادبية، فالجريدة التي تتخذُ لها مبدأ من هذه المبادىء عن أخلاص سواء اتفقنا واياها أو لم نتفق وتبقى واقفة بجانب ذلك المبدأ حتى النهائية هي الجريدة التي تجوهر النيات وتغربل العقول وتجعل الناس يتخذون مبدأها أو المبدأ الذي يُخالف مبدأها وفي أحدى الحالتين النفع واليقظة الفكرية.

الوظيفة الثالثة: أن تكون الجريدة ” المُدعي العمومي”

أما الوظيفة الثالثة فهي أن تكون الجريدة “المُدعي العمومي” فكم من مسألة لم تبلغ الحكومة ولم يسمع بها القاضي ولم يتناولها الشرطي وظلت في عالم الخفاء حتى قامت جريدة من الجرائد سبرت غورها وأعلنتها للناس طرا.

الوظيفة الرابعة: أن تكون الجريدة مدرسة للشعب

أما الوظيفة الرابعة وهي وان تكن أبسطها في أهمها، وتلك الوظيفة هي أن تكون الجريدة مدرسة للشعب، وارى أن صحافتنا في المهجر قد قامت بهذه الوظيفة اكثر من غيرها فانتم تعرفون وانا اعرف كذلك الكثيرين من السوريين الذين جاءوا الولايات المتحدة وهم اميون ولسبب من الاسباب اشتركوا في جريدة من الجرائد ولم يمر الزمن الطويل حى صاروا يحسنون القراءة بل الكتابة بل ومراسلة الجرائد.

لقد ذكرنا أربع وظائف للصحافة وهناك وظائف اخرى اسكت عنها لضيق الوقت وفي ذمتي وأعتقادي أن جريدة الهدى  قد قامت بجميع هذه الوظائف حق القيام بل تجاوزتها، أقول تجاوزتها لأن جريدة الهدى تهتم بكثير من المشاريع الخيرية والتهذيبية واني لا أنسى ولن أنسى قول صاحب الهدى لي “إن اعظم امنية وأبعد حلم في نفسي تأسيس الكلية اللبنانية” .

نتكلم عن جريدة الهدى والحقيقة هي أن جريدة الهدى هي نعوم مكرزل وما عسى أن اقول في نعوم مكرزل؟

أنت يا أخي تختلفُ ونعوم مكرزل على أمرٍ سياسي، ولكنك لا تستطيع الا أن تحترمهُ رجلاً، تختلفُ وأياه على أمرٍ وطني ولكنك لا تستطيع إلا أن تعتبرهُ رجلاً، أنت تختلفُ وأياه على أمرٍ ديني أو طائفي أو تقليدي ولكنك لا تستطيع الا أن تُعجب بهِ كرجل، أنتَ تستطيع ان تقول ما شئت، غير أنكَ لا تقدر إلا ان تقول في سرك إن جريدة الهدى هي اكبر مركب صحافي في المهجر وان نعوم مكرزل رُبان حاذق عارف عليم لا يخاف صخراً ولا يخشى عاصفة.

وما هو السر وراء أحترامنا لنعوم مكرزل أختلفنا وأياه أو لم نختلف؟ هو هذا: لنعوم مكرزل شخصية بارزة فعالة أيجابية، شخصية تختلف تلافيفها ومزاياها ومظاهرها عن جميع الشخصيات .

نحن نحتفل الليلة بيوبيل جريدة الهدى الفضي وأني أرجو من صميم القلب أن تكونوا هنا واكون أنا هنا لنحتفل بيوبيل جريدة الهدى الذهبي وأن يكون نعوم مكرزل عروس تلك الحفلة العتيدة. ” 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *