الحلقة الحادية والثلاثون من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنتا له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

كابي

 

(٣١)

 

مرّت السنوات وحنا يعمل في المطبعة ويزور عائلته في القرية أيام العطل وفي نهاية كل أسبوع.

ومع تقدّمه في السن والخبرة في العمل انتقل حنا من العمل اليدوي التقني الى الاشراف التقني، الأمرالذي وفّر له الراحة في العمل الذي لم يعد مُتعِبًا كما كان من قبل.

وقد نمَت العلاقة في ما بينه وبين عليّ حتى وصلت الى مرحلة الصداقة المتينة. وقد وفى حنا بوعده لعليواستضافه في عطلة نهاية أسبوع في داره في القرية. حضّرت أمّ بحر السمك المقلي والمشوي على مائدة الغذاء وكان بحر الذي بلغ السابعة عشرة من عمره يجلس معهما الى الطاولة.

– هل تتردد على الاستاذ رفيق يا بحر كما وعدتني؟

– أجل يا أبي. في كل مرّة أعلم فيها  أنه في القرية أذهب لزيارته، وهو يناقشني في دراستي وفيالتخصص الجامعي.

– وعلى ماذا استقر الرأي في ما بينكما.

– أخبرته بأني أرغب في دراسة الهندسة المدنية.

– الله الله يا حنا. ستصبح أبا المهندس.

– “طوّل بالك يا علي خلّينا نفهم”.

– سألني الاستاذ رفيق عن الجامعة التي أنوي الالتحاق بها.

– أين يا بحر في عاصمة المحافظة؟

– هو يفضل يا أبي أن أدرس في العاصمة.

– في العاصمة؟

– كما أنه سألني عما إذا كنت سأدخل جامعة خاصة أم الجامعة الوطنية.

– عدنا الى نقطة الصفر يا علي. غيّرت مسرى حياتي من أجل أن يتعلّم بحر في مدرسة خاصة. ماذا عليّ أن أفعل وأنا في الستينيات من عمري هذه المرة؟ قم بنا نتنزّه عند الشاطئ.

 (يتبع)

***

*إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء.