سجلوا عندكم

جريمة تدمير الضمير والذات… هل من مطهر أو جحيم أو سماء يغسلها؟

Views: 224

أنطوان يزبك

 

تشرين الثاني :  شهر الأنفس المطهريّة

تذكار الموتى ؛ الحياة والموت والأنفس ومصيرها بعد الموت!

 

يرتعد الإنسان أمام المحكمة، خاصة إذا سيق أمام القوس وهو بريء، فكيف إذا كان مجرمًا مرتكبًا قاتلًا دمويًا لا قلب له ولا إحساس، يقدم على فعلته بدم بارد.

 من تعاليم بوذا المستنير الحكمة التالية:

كل إنسان يرتعد أمام العقاب فلماذا يا أيها الإنسان ترتكب ما يوجب العقاب؟!

وكذلك يقول القديس أوغسطين: “كل شيء من أمور العالم هو زائل فأسرع وتذكر اسم الله امام عينيك وكن حريصًا   أن تتوب لأن زمانك في هذا العالم قليل”.

مع كل هذه التعاليم التي غصت بها الكتب السماوية والأدبية والفلسفية  ما زال الإنسان مجرمًا وأرى  ان هذا الانسان بالذات هو في حقيقته،  كما كان يردد والدي رحمه الله: ” اسود رأس”؛ أي أنه مدرك كل الإدراك لأعماله السيئة الشنيعة بيد أنه يمعن في ارتكابها ويعمل على تأمين ديمومتها والأكثر من كل ذلك فهو فخور كل الفخر  بأفعاله الشنيعة هذه!

من ناحية أخرى يتواصل كرار الزمن ، وفي الغالب تتواصل الجريمة ، والعنف وفقدان الرحمة الإنسانية.

يقول العارفون في علم النفس والاناسة ، إن معظم المجرمين القتلة لا يملكون لا المشاعر ولا الاحاسيس بل لديهم جرعات عنف ووحشية زائدة، وهم بعد القبض عليهم وخلال جلسة المحاكمة يرددون في سريرتهم الشتائم واللعنات يستقطرونها على أعضاء المحكمة والناس كلها، ويتمنون لو قيّض لهم الهروب من أيدي العدالة، فسوف يقتلون من جديد ،ويعاودون شرب الدماء وإرهاب الناس والفتك بها وازهاق أرواحها!

هذا على الأرض ، ولكن ماذا بخصوص الحياة الأخرى؟ ماذا عن عقاب الله وعقاب النفس بعد الانتقال من هذا العالم إلى العالم الآخر؟

من كان مؤمنًا ومستقيمًا يحضّر بجدية  لهذا الانتقال إلى الحياة الأخرى، وذلك من خلال الحرص على  عدم القيام بخطيئة ، يطلق عليها في التعاليم المسيحية تعبيرًا نعرفه كلنا: الخطيئة المميتة ، والموت هنا ليس موت الجسد بل موت الروح.

لذلك دعا القديسون إلى عدم الخوف من الموت خاصة للذين يؤمنون وعاشوا حياتهم ببرارة وإيمان صادق. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “لا داعي إلى النواح خوفًا من الموت بل ابك على خطاياك فتتحرر منها ،للحزن وجوده لكن لا ينبغي أن نحزن لفقدان ثروة ولا أن نحزن لأجل الموت بل علينا أن نسخّر هذا الحزن حتى نتخلص من الخطايا التي ارتكبناها”.

يقول القديس قبريانوس الشهيد : “إن الموت يفرز البار عن الشرير”، ويصف الموت بالطاعون المخيف، إنه يختبر برّ كل إنسان ويفحص ضمائر البشر،  وما  إذا كان الأصحّاء يهتمّون بالسقماء والأقرباء يهتمّون ويترفّقون بأقربائهم، والسادة يتعطّفون بخدّامهم  والأطبّاء يلبّون نداء المصابين المتوسّلين إليهم. 

كما يظهر أيضا؛ هل يكف قساة القلوب عن قساوتهم، ويطفئ الجشعون، طمعهم في محبة المال خوفا من الموت !!.

أين هذا الكلام من الذي نراه اليوم ، في المجتمع اللبناني ، من يجيب أو من يجرؤ على الإجابة ، وما هو مقدار عذاب لبنان في ميزان عذاب البشرية جمعاء ، وبطريقة أخرى كيف لنا أن  نحدد مقدار العذاب في الكون أجمع حيث القهر  ينهمر مدرارًا مثل شلالات نياغارا والفواجع تهلك البشر في كلّ حين؟.

في الحياة الأرضية يبدو جليًا أن الظلم هو المهيمن والعدل مفقود حتى بات كلمة في القاموس يعلوها الغبار. ولكن ماذا عن أحكام ما بعد الموت؟

بحسب العقائد المسيحيّة،  إنّ الإيمان بوجود المطهر ليس أمرًا ذاتيًّا عند المؤمن، يقبله أو يرفضه ساعة يشاء، إنّما هو عقيدة إيمانيّة ثابتة كما في التعاليم المسيحيّة الكاثوليكيّة والتي يجب تعليمها تحت طائلة الحرم الكنسيّ (Anathème).

 أن نصلّي من أجل الأنفس المطهريّة هي فكرة مقدّسة لسلام هذه الأنفس بحسب العهد القديم، بهدف تطهيرها من الخطايا.

 وكان السيّد المسيح، نفسه، يعلّم: “اصطلح مع خصمك فيما يتوجّب عليك تجاهه، طالما أنت في هذا العالم. لأنّه سيضعك، عند موتك، بين يدي القاضي العادل الذي يسلّمك إلى سجّانه، راميًا إيّاك في سجن لا تخرج منه، حتّى تكفّر عن آخر فلس عليك”. – وكما يقول القدّيس أوغسطين: “هذا الخصم هو الله نفسه عدوّ الخطيئة بلا هوادة. والقاضي العادل هو المسيح، كما جاء في الكتب، قاضي الأحياء والأموات. وأخيرًا هذا السجن القاسي هو المطهر، حيث لا يمكن الخروج منه إلاّ بعد إرضاء العدل الإلهيّ وجلوّ كلّ الظلمات التي تحيط بنا”.

 لم يكتفِ السيّد المسيح بحفر ذكرى المطهر في قلوبنا، إنّما أعطانا المثال عندما نزل إلى لجج المطهر، يوم موته على الصليب، وأعاد معه بفرح السماء العظيم، التي فتحت أبوابها إلى الأبد، الأرواح المنتظرة بأمل، منذ سقوط آدم وإغلاق أبواب الجنّة.

 لقد جاءت تعاليم الكنيسة، بحسب مجمع “ترانت”، واضحة حيث اعتبرت: “محرومٌ كلّ من يؤكّد، بعد حصوله نعمة الغفران، أن كلّ خاطئ ينال غفران الخطايا ويعفى من القصاص الأبدي، ولا يعود عليه دَيْنٌ زمنيّ في هذا العالم أو في العالم الآخر، أي في المطهر، قبل أن يُفتح ملكوت السماوات.”.. كلّ علماء العقيدة يونانيّين ولاتين، كلّ الشعوب القديمة والحديثة أعلنت الإيمان بهذه العقيدة.

 انطلاقًا من هذا الإيمان، تقوم الكنيسة، كأمّ حنون رحوم، بالصلاة يوميًّا خلال القدّاس من أجل راحة الأنفس المطهريّة.

يبقى السؤال ماذا ينفع حنان الأم طالما الاولاد قد ابتلوا بالعقوق والمعاصي والجريمة، وغرقوا حتى آذانهم في دماء ضحاياهم . هل من مطهر أو جحيم أو سماء لغسل كل هذه الآثام؟ هناك جريمة تفوق كل السرقات وكل المرتكبات ألا وهي جريمة تدمير الضمير والذات البشرية وخلق أجيال من الزومبي والروبوتات، حشود من الناس تنضح جيناتهم أحقادًا وجريمة وبغاء وأمراضًا نفسية وعاهات عقلية وفسادا وسبعين مرة سبع مرات: اقتل،  بدل أن  تسامح، وأجواق شياطين من جهة مغتبطة أنها استمالت البشر إليها ومن جهة أخرى  محبطة لأن البشر تفوقوا عليها في الخطيئة والفجور والجريمة!!…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *