سجلوا عندكم

متوسّلةً التحليلَ النفسي ومروحةً معرفيّةً واسعة/ Nivrette Eldalati Grégoire تدخل إلى أعماق ميراي شحاده حدّاد وتسبرُ حقيقتها!

Views: 424

د. مصطفى الحلوة

كتبت المتخصّصة والمشتغلة بالتحليل النفسي العيادي نيڤريت الدالاتي غريغوار، اللبنانية/الفرنسية المقيمة في باريس، دراسة على صفحتها(الفايسبوك 15/ 11/ 2022) بعنوان:”ميراي شحاده حدّاد في البحث عن الأب الضائع، عبر أرجوحة كتابَيها “يوم قرّرتُ أن أطير”، و”بوهيميّة”.

قبل الإضاءة على هذه الدراسة القيمّة والتعقيب ، نوردُ بعضًا من مقدّمتها، حيث جاء فيها: (إذا كان مارسيل پروست، في”البحث عن الزمن الضائع أو المفقود”، قد عاد إلى الذكريات، من خلال قطعة الحلوى، ليُقدّم لنا روايته هذه عن تصوّره للوجود والحياة، بشكل جديد ومبدع، فميراي شحاده حدّاد استبدلت قطعة الحلوى برائحة الزيتون، عطر أرض لبنان الوطن، وعادت إلى زمنها المفقود، عبر زواريب ذكرياتها النائمة خلف غيوم الماضي، لتنزلق إلى اللاوعي دون أن تدري، وتغرق في جسد الطفلة، التي تُناجي والدها، عبر مؤلّفين- صدرا تباعًا، عامٓي 2017 و2021- كانا بالنسبة لها أشبه بالعلاج النفسي، في محاولة شاعريّة/أدبيّة، ساعدتها على القيام بالحِداد على والدها، حيث كان ذلك مستحيلًا في السابق) من خلال هذا المُقتطف، الذي يُمهّد للدراسة الوافية، ويؤشّر على النتيجة التي سيُخلص إليها، يتبيّن أن الباحثة نيڤريت، من منطلق تخصّصها وممارستها العلاج النفسي، ترتكز على أسسُ المنهج النفسي في دراسة الأعمال الأدبية، وهو منهج يستمدّ آلياته النقدية من نظرية التحليل النفسي الفرويدي. ولعلّ الكاتب والناقد الفرنسي Charles Mauron، مؤسّس هذا المنهج La psychocritique ، ذهب إلى تفسير السلوك البشري، رادًّا إيّاه إلى  اللاوعي أو اللاشعور. وتفصيلًا ، فقد دعا إلى الانطلاق من النص الأدبي، وجعل حياة المبدعين في خدمة نصوصهم الإبداعية. وهذا، حسبما خلصنا إليه، ما عمدت إليه باحثتنا.

Nivrette Eldalati Grégoire

 

لقد تحصّل لنا أنّ ما سعت إليه نڤريت الدالاتي غريغوار هو الوقوف عند عملية إبلال ميراي شحاده من الجرح العميق، الذي خلّفه موت والدها، وهي طفلة إبنة سنوات عشر! فقد كان لهذا الحدث المزلزل أن يُشكّل لديها جرحًا، دائم النزف، لا التئام له! هكذا راحت، عبر كتابيها، آنفَي الذكر، أن تمارس عملية شفاء ذاتيّة، وذلك باستحضار ما يعتمل في لاوعيها، إلى نطاق الوعي،  وفق ما ترى الباحثة. ولا غرابة في ذلك، فقد كان للعديد من العلماء أن يُقرّوا بفضل فرويد، في الإشارة إلى خبرات الطفولة، والدوافع اللاشعورية وأثرهما في السلوك، وهو ما اعتُبر من إيجابيات نظرية التحليل النفسي، على رُغم ما يشوبها من أعطاب، لا مجال لذكرها، في هذه العُجالة

ولقد كان لهذين الكتابين، بحسب الباحثة، أن يعملا على إغلاق ذلك الجرح النازف، من خلال البحث عن الذات والهُويّة، كنوع من الاعتراف بالألم النفسي الناتج عن غياب الأب. وإذا كان لها أن تحكي عن الذات، فهي تعبُرُ، بالاتجاهين، من الذات وإليها! هكذا، والحال هذه، فإنّ ميراي، على ما تذهب الباحثة”لم تكتب كتابين، بل خطّت نفسَها، حياتَها، كلَّ سيرتها الذاتية، الغارقة في معاناة النفس، لتراها كلُّ العيون، وهي تُنادي والدها، عبر استحضاره، في كلّ كلماتها واهتماماتها الثقافية الدؤوبة”. ومن جهتنا، نُضيف بأن ميراي سفحت دمَ قلبها على أوراق هذين الكتابين!

إشارةٌ إلى أنّ ما أسهبت فيه الباحثة، من تفسيرات صائبة، يصبُّ في خدمة القضيّة، التي وضعتها نُصب قراءتها الوازنة.

..من موقعنا، بل من معرفتنا الوثيقة بالصديقة ميراي، ومواكبتنا إيّاها، منذ إطلاقها “منتدى شاعر الكورة الخضراء الثقافي”، في العام 2020، لا يسعنا إلّا أن نتشارك الرأي مع الباحثة نيڤريت، التي استطاعت “من بُعد”، أن تضع هذه الأخيرة على مشرحة التحليل النفسي، وأن تقبض عليها متلبّسةً بما تُعانيه، جرّاء فقد الأب ! وما الحراك، غير الطبيعي، الذي تقوم به ميراي، عبر مشاركتها شبه اليومية، بمختلف  الفعاليات والأنشطة، على امتداد الأراضي اللبنانية، إلّا بهدف البُرء من ذلك الجرح، الذي يؤرّقها!

ناهيك عن إصدارات الكتب لعدد كبير من الكُتّاب، على نفقتها الخاصة، وقد بلغ عددها حوالى خمسين كتابًا، حتى اليوم، “وحَبْلُ المطبعة على الجرّار”! كأنّنا بميراي، لدى صدور كلّ كتاب عن “منتدى شاعر الكورة الخضراء الثقافي”، تُسِرُّ إلينا بالقول، والسعادة تغمرها:”هذا ما يُريده أبي وما يُرضيه، بل هذا ما أوصانيه!”. وإذْ هي المتوحّدة المتماهية في أبيها، فإنّ هذا ما يُرضيها ويُبلسمُ جرحَها الغائر في أعماقها!”

ختامًا، إذْ نثمّن عاليًا هذه المراجعة النقدية، نجدُنا أمام ناقدة من طراز رفيع، ذات رؤيا ثاقبة. فقد أعملت، بكفاءة إحترافية، آليات التحليل النفسي، في مجال الأدب، واستحضرت من معين ثقافتها الواسعة ما وفّر لها الكشف عن سريرة ميراي، وأيّ كشف! هكذا كان تشخيصٌ لمختلف الدوافع، التي تعمل في داخلها،  وتُسهم في تشكيلها(Formation) النفسي والفكري. كما كان تعليلٌ لسلوكياتها، في تعاطي الكتابة الابداعية، وفي الانخراط، بشكل غير مسبوق، في مختلف التظاهرات الأدبية والثقافية!

(من بيادر الفسابكة/ قراءة نقديّة في قضية)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *