في التّجريب الصّحفيّ (10)

Views: 387

محمّد خريّف*

التّحوّل من كتابة ما يُقال إلى كتابة ما لا يُقال

الكتابة للقارئ العادي تتطلب كتابة ما يُقال أي ما تسمح نواميس الأخلاق في المجتمع،وما لا يتعارض مع أخلاق السلطة ودينها، أما الكتابة للقارئ المختلف الخارق للمألوف تصبو إلى كتابة ما لا يُقال في المجالس العامة والتجريب الصحفي المختلف حافزه خرق السائد في المنظومة التقليدية سبيله التمرّد على سلطان الأدب وأخلاقه الحميدة التي تدعو الى تجنب الحوشي والبذيء من اللفظ السوقي ويتطلب انجازه الجرأة على كتابة اللفظ الممنوع المنبوذ في ما أريد له من أساليب البارودي العاصفة بسكينة الوقار فتأتي جملته مؤسلبة أسِلبَة المحاكاة الساخرة التي تنشيء المختلف ولا تقرّر العادي، لذلك كان إيراد اللفظ النافر ضرورة إبداعية تفرضها حاجة الكتابة المختلفة لتتحرّر من نيرالكتابة باعتبارها حركة غيبية اعجازية.

الشاعر نغيم تلحوق

 

***

ولعلّ الوعي بأهميةالبذيء والحوشي في الكتابة الأدبية الإبداعية شبيه بأهمية الوعي بدور حبّات الفلفل والتوابل وأملاح الطعام في إذكاء الأكلة الشعبية الدسمة دون الاستسلام الى حالات الارتخاء التام وسببه نهم البطن وجشع الإقبال على ما يستهوي اللسان فيزدردبعلوق الشره الجنسيّ ما طاب من إكسير الحياة ولذلك كان لابدّ للكتابةالروائية أن يكون لها منها بشيء و ملح طعامها الشهوة الجنسية ديدنها التغني بنشيد الرغبة في هتك المحرمات اللغوية والعلامة براء منها اذ لأفرق بين أعضاء إلا ما يشحن علاماتها بمعان محظورة وأخرى مقبولة فتصيرخريطة الجسد موزعة اعتباطا بين محمود ومنبوذ لذلك كانت ردود الفعل على ما اكتب عنيفة لاسيما بعد2011 حيث أعطي الضوء الأخضر لقراء النوايا الذين يدعون الدفاع عن الأخلاق الحميدة،فأصبح ناشر المقال يخشى عيونا في الشارع في المقهى في المعهد قد تتفطن أو تبحث بين السطور يشمون منها رائحة “القباحة” فتكون الوشاية فالرد المباشر العنيف بل التصدي بالكلام الوعظي الجارح والتهديد بإعلام البوليس.

الشاعر الياس لحود

***

وكان من الناس من جعل نفسه وصيا على أخلاق البلاد و العباد( يحصل هذا بعد الثورة حيث يعنف بعض المثقفين في زمن خلناه مختلفا مع زمن الرقابة على المنشورات من قبل الدولة) وفي بلد كتونس أصبح الكاتب يفضل رقابة الدولة لا رقابة الناس على الكتب- فيصبحون مطالبين أو متهمين أمام شرطة موازية. وللتأليف أو التجريب المختلف فيمثل هذه الظروف مخلفات نفسية ومعنوية قد لا يسلم كاتب مثلي من آلامها أثناء صدور كتبي السردية ولاسيما” سوسن الفينقا” عن دار سوسة عام 2017وهي آلام قد لا تختلف عن آلام ردود فعل بعض من كتبت عنهم مقالات نقدية صدرت في كتابي ” في النقدية العربية ” الصادر عن دار الحوار اللاذقية سورية 2013 حيث قادني الولع بنقد ما لا ينقد في العادة من رموز النقد والأدب سواء من أساتيذ الجامعة التونسية أو من الشعراء فكانت محاولة قراءة في أعمال البعض ممن لم نقرأ عنهم مقالات غير مقالات التمجيد من تلامذتهم ومريديهم استجابة وفاء العبد لمن علمه حرفا أو نشر له مقالة في مجلته، قلت هات نجرّب القراءة بالمختلف .. فإذا بالتّجربة مثاليّة طفوليّة، مآلها الصمت على مستوى الجامعة فكان لا احد قرأ الكتاب فعلق عليه وشمل النقد المتواضع بعضا من نصوص أدونيس وحمادي صمود وتوفيق بكار ومحمد لطفي اليوسفي والياس لحود غيرهم، الشاعر اللبناني الصديق عن بعد وكان الوحيد الذي في رسالة غاضبة ولماّ ألتق به مرّة في حياتي :”

من رسائل الشاعر اللبناني اليأس لحود إلى الكاتب التونسيّ محمّد خريّف

عيدك سعيد يا أخي .

الأستاذ الصديق محمّد خريّف تحيّتي إليك…… بعدما أعددناالبريد لإرسالهإلى الأصدقاء والكتّابرغم ظروف ” مجلتنا /مجلتك” القاسية جداوأنت من الأقربين إليها والينا ، استعدت نسختككي أضيف إليهاهذه الورقة المختصرة !

***

أخي ، من يوم أرسلت لي كتابك “في النقدية العربية” سلمته أمانة إلى صديق كاتبليقرأه عبر اختصاصه بايجابية ومحبة ، وذلك بعدما تصفحته بعنايةرغم ظروفي ، ثم عادنيمن فترة قصيرةبالكتابودراسةلم تعجبني عنه . واليوم في 25 -9-2015بدأت قراءة معه وشكرتك على تعبكللاهتمام بي، وأعو د وأشكركلعمقمقاربتك للنصوصوأعني العمق المعرفي . وعندما واصلت مع القراءة واحترمتك معرفيا ونقديا لموضوعيتك ولم أشكك بشيء حتى الصفحة 49 فبدأت أرى معك استخدامك لكلمة إرباك وشعرية الإرباك….

أخي، وصديقي هناسأكون صريحا جدا بمدى احتراميلك : 1- عد إلى المجموعةالمشتركةلشعراء الجنوببعنوان ” وكل الجهات الجنوب ” المنشورةبطبعة أولىسنة 1979عن المجلس الثقافيللبنان الجنوبي ،و سترى قصيدتيالافتتاحلهذه المجموعةالتي طبعت أكثر من سبعطبعاتوفيها ذكرلإيقونةعليقة النبعص 14، مرة ” وص 18مرة ثانية …الخالخ ….الخ ….حتى الكثير من نصوصيحيث ترد قبل 1994 تاريخ ” حليب العليق” بأكثر من 15 سنة .

***

2- “رخامة الإسفنج ” تاريخ صدورههو 2005 ، وهنا أرجوك أن تعو د إلى مجموعتي ” الإناء والراهبة “الصادرةسنة 1990عن دارالعلم للملايين ، الصفحة96لترىأن كتابة الممحاةاسممجموعة لي( شعرية)قبل اتهامك لي (كالعادة العربية)ب…سنوات ، وسنواتإن بعض الظن إثم؟؟؟أم ماذا ؟

وهل أصبح منشوراأم لا

أخيوصديقي: أعرفتسبب ( أوأسباب ) وجعك ككاتب؟ لست أنا، حتى و لو صدّقتما قاله كتابكبلأنت مشحونابحقدكعلى ” وجعنا “لن أكون قاسيا … خلقت لنفسكمشكلة ضميرأرجو أن تتخلص منها”/ شكراسأبقى صديقك الياس

إمضاء غيرواضح وبلا تاريخ

***

هذه الرسالة بالذات بخط يد الشاعر الصديق الياس لحود أحببت التركيز عليها لأنها مع الأسف تقيم الدليل على أن مستوى في التعامل النقدي المختلف بين الكتاب لم نبلغه مقارنة مع رسائل أخرى عديدة كان يرسلها إلي الشاعر ذاته وهي رسائل لا تخلو من بالرضا والانسجام الذي كان ولا يزال سائدا بين الكتاب النقاد وأصحاب الإصدارات الجديدة الذين كانوا لاينتظرون من قارئ كتبهم سوي الإطراء والمجاملة ومنهم نساءكاتبات شاعراتمن اللاتي قد يغضبن من نقد لي قد يخيب أملهنّ ( وقد حصل لي ما بعض الشاعرات اللبنانيات مالم أكن أنتظره من لوم لأني ذهبت في قراءتي لبعض إصداراتها مذهب مذهبا غير منتظر فتبرأت من حضور المحظور في كتابتها ناسيةاة غافلة عن أن النص وهو مجموعة علامات قد تخون من ائتمنها على تبليغ ما تتوهم تبليغه من صفوي المعاني والنص الادبي غير الشخص واللغة ماكرة قد تتيح للناقد أن يجنح فيذهب إلى أبعد ما يتوهّمه واضع النصّ ذاته) وتلك عقبة من عقبات الأدب النسائي الذي أحببت أن يستوي عندي ناقدا مجرّبا مع أدب الذكور، لكن مع الأسف عقدة التأنيث لا تزال مشحونة برواسب الشعور بالخطيئة فتظل حائلا بين ما نصبو إليه افتراضيا وما نمارسه في الواقع وهكذا يغدو نص المرأة شبيها بجسد المرأة محسوبا من التابوهات والمحظورات توقيفا ومصادرة وشتان بين الحيض وعلامات الحيض، وقد يسوء الحال بين الطرفين بالتأويل والتأويل المضاد فتشل حركة النقد الأدبي بتأثيرات التهميش وضغوطات تراكماته..

***

لكن مثل هذه العراقيل لا يمنع من التذكير بأهمية التجربة تجربة قراءة نصوص الياس لحود وغيرها من النصوص لحسن عجمي وحنان عاد ونعيم تلحوق وعروسية النالوتي وحسن نصر وعبدالرحمان منيف وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم الكتاب الذين تشرفت بقراءة كتبهم فكانت مفيدة وكنت أسعد كثيرا لو نشر الأستاذالشاعر الياس لحود دراسة صديقه حول كتابي” في النقدية العربية” وان بدت له أنها تسيء لي وقد تكون الخشية على كاتب نص من الإساءة إساءة في حد ذاتها للنصّ لا لصاحبه.وماأظن الشاعر الصديق الياس حامل لواء الاختلاف بمسيء للنص أو لصاحبه؟؟؟

وعن رسائل الكتاب ولا سيّما مع حلول عهد الرسائل الاليكترونية ما يدعو إلى التوقف والتأمّل

(يتبع…)

***

(*) كاتب من تونس

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *