الياس خليل… “صرخة ضمير” في زمن الصمت المُريب

Views: 328

أنطوان يزبك

 

تهرم القلوب كما تهرم الأبدان ، إلّا قلوب الشعراء والشجعان !

أحمد شوقي

 

 الدكتور والأستاذ الشاعر الياس خليل، خير نموذج للشاعر الشجاع (بحسب وصف  الشاعر الكبير  أحمد شوقي)، فهو حامل  قنديل الشعر  في وجه الظلم والاستبداد ، يخوض ملء طريقه، بشجاعة واقدام ، في متاهات هذا الوطن الذي طال عذابه ، وطوى الألم فيه،  كلّ عقل ومنطق وإنسانية باقية في قلوب الحكّام ورجال السياسة !!. 

وعبثا يحاول أصحاب الضمائر وأبناء النور من  العقلاء وذوي الإرادات الطيّبة والنوايا الحميدة ، استصراخ ضمائر المسؤولين والسياسيين ؛ علّهم يقدمون  ولو امام الله والتاريخ، لمرّة واحدة يتيمة، على خطوة انقاذيّة ولكن لا حياة لمن تنادي..

وأفضل كلام نقوله عن ساسة البلد : إذا لم يكونوا  يعرفون  فتلك مصيية عظيمة ، وإذا كانوا يعرفون  ولم يفعلوا  شيئا ، فتلك مصيبة أعظم!

 امام هذا الانحلال على كلّ الصعد ، أطلق الشاعر  الياس خليل صرخته ، كمن يرفع صلاته أمام عرش العليّ القدير، ويقول له بقلب سليم نقيّ لا يروم من الدنيا سوى القداسة ونقاوة الضمير؛ هذا ما فعلته طوال حياتي، سجدت في أعلى الهياكل وأرقاها: هيكل الرب وهيكل الشعر وفي عرف الألوهة يتحدّان ولا ينفصلان وقدّمت ما رأيته مناسبا! ..

يقول جبران خليل جبران: “أفضل أن أكون بين الأكثر تواضعا ، حالما متمتّعا برؤى آمل تحقيقها ، من أن أكون سيدا لأناس من دون أحلام وآفاق”.

بدوره، حلم الشاعر الياس خليل  بوطن أراد تحقيقه لأنه وجده أقرب من حلم، وجده وطنا جميلا يشبه قصيدة حبّ عند الغروب من فوق جبل حريصا أو عند سفح صنين ، بيد أنه تألم حينما تحطم القنديل الذي حمله مثل ديوجينوس طالبا الحقيقة في وضح النهار؛ذلك أن من اقترف هذه الجريمة كان من المفترض به أن يمنعها !

يقول الياس خليل في “صرخة ضمير” :

أنا شاعر جميع الناس ناسي

ما تفكّرو حدا من الناس ناسي

سقيت الفقر من عيني بغزارة

وطعمت الجوع من غلّة حواسي

أنا أستاذ مؤمن بالشطارة

درست وما انتفعت من الدراسي

بلباسي ما قدرت غشّ العذارى

من السبعين ما تغيّر لباسي

ما بعت بلادنا حارة و حارة

عا ذمة ألف قرعة والف طاسي

ولا رحت عند جار وعند جارة

حتى يوفّر السكين راسي

أنا ما وقفت عا بواب السفارة

تا أخضع للقرار الدبلوماسي

أنا فلاح سلطان الإمارة

ابن هالجرد أعلى من الرواسي

أنا عالشط ما نقلت الحجارة

حتى بلّط البحر بحماسي

ولا الدولار عملّي زيارة

ولا عندي ألف موكب للحراسي

أنا ما دبحت إسلام ونصارى

ولا زلمي لغّمو بيوت القداسي

ولا جاري الحط ع بيتي إشارة

سحبت الفرد وفقعتو قواسي

أنا ما سكنت بقصور الحضارة

وشعبي لا خيام ولا شماسي

ولا بحق الدوا عامل تجارة

ولا الكفيار طيّب على ضراسي

أنا ما سمحت للدش بمهارة

يخدع شعبنا بعز المآسي

ويعرض كل افلام الدعارة

كأنو العربدة بتلغي التعاسي

أنا ما سرقت مال من الإدارة

ولا بدم الوطن دمدعت كاسي

ولا التوطين دخّلني الوزارة

ولا التجنيس عبالي كياسي

أنا من واجباتي شن غارة

عا كل الافلسونا بظرف قاسي

ما بدي يعمروا عني العمارة

ولا بدي يعرضوا علي الرئاسي

من خمسين عام بلا جدارة

لما تحكّموا رجال السياسي

الأجانب سلّموا لصوص المغارة

كراسي وشعبنا بلبنان أعمى

أعمى قاعد يقشش كراسي ..

لا أجد ما أضيفه أو أعلّق  على هذه القصيدة الصادقة القويّة  الجميلة في كل معنى من معانيها ، يبقى على الناس الاستنارة  في زمن الفراغ المعيب للضمائر، زمن نضبت فيه الأخلاق، احترقت فيه السفن على شواطئ جزر الضلال حيث لا عودة إلى مدينة الله النورانية ، وماذا تريد بعد أيها الشعب الذي يطلب في كل دقيقة آية !؟

تذكّروا ما قاله السيد  المسيح عليه السلام : “ويل للعالم من العثرات ! فلا بدّ من أن تأتي العثرات ، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة!” ( متى 18;7)..

الياس خليل اختار أن يكون طوباويا ويجعل من شعره الراقي ؛ صلاة وتقوى ورجاء. 

يبقي علينا نحن  أن نحدّد خياراتنا ولتكن  نبيلة ، كما قال الفيلسوف الصيني كونفوشيوس بعد حكمة وتأمل في الداء البشري الذي يحطم الإنسان: “إن ما يسعى إليه الإنسان النبيل يكمن في ذاته ، أما الدنيء فهو يسعى لما لدى الآخرين”….

الياس خليل سعى بنبل إلى ما لديه في ذاته ، وأعطى كل شيء إلى كلّ الناس بسخاء حاتمي  ولم يبقِ ذرّة لنفسه…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *