سجلوا عندكم

آخر ماكتب محمّد البشروش إلى أبي القاسم الشابّي رسائل تنشر لأول مرّة

Views: 68

محمّد خريّف

الرّسائل الأدبيّة البريديّة ظاهرة لافتة في ما يعرف بالحدث الشعريّ الشابّي في تونس وهي من الهوامش التي تزال عالقة بأذهان أحفاد الشابي ومريديه ، وان رام بعضهم تجاهلها حتى لايُفسد الاهتمام بهذه الهوامش على بعضهم لذة الاعتقاد في تفرّد الشابّي بالعبقريّة دون غيره وحيازة النبوغ المعجز دون وضعه في إطاره الثقافي ولا سيّما ذلك الإطار القريب منه أو المحيط به وهو إطار الأصدقاء الذين تركوا آثارا مكتوبة في شكل رسائل مخطوطة تنسب إلى صديق له( لعلّه يعاني من عقدة الشعور بضيم “الآفاقية” ) هو محمّد البشروش نشرها حديثا الكاتب التونسي لطفي الشابي* بوصفه محققا مقدّما في كتاب له صادرعن جمعية الشابي للتنمية الثقافية والاجتماعية باريانة تونس في طبعة أولى ماي2023 ويضم سبعا وعشرين رسالة موجهة من البشروش إلى الشابي أرسل اغلب المضبوط منها بتاريخ في مابين عامي1932و1934 وهي رسائل يبعث بها محمد البشروش في الغالب من دار شعبان(بالأساس) وأحيانا من نفطة ومرة أخرى من شاطيء نابل وأخرى من نابل. والرسائل في معظمها تحيل إلى رسائل الشابي الواصلة إلى البشروش إحالات  عابرة وهي رسائل يتعلق بعضها بما يوليه البشروش من عناية بصحة صديقه وصحته هو بالذات. (والزيارة  التي يظهر انك تفرضها فرضا ربّما  لاتكون  لان صحتي وآه من صحّتي تسير من سيّءالىأسوأ  الرسالة الرابعة عشرة ص 88)

لطفي الشابي

 

لكن المهم في هذه الرسائل ما يبعث به البشروش إلى الشابي من ملاحظات  مستخلصة من مطالعاته في كتب الأدب الفرنسي على وجه الخصوص كما يذكرفي الرسالة العاشرة المرسلة من نفطة بتاريخ 24 مارس1933  يقول فيها عن كتاب” صلامبو لفلوبير” إن –سلامبو- قصة تتناول درس ونحت قرطاج وحرب المستأجرين ، والمستأجرون جند استأجرته  قرطاج ليعزّز  جندها في الدفاع على(هكذا بالطبع) مصالحها ومطامعها .(ص69) والغريب في بعض الرسائل أنها تبعث على الشك أن تكون موجهة إلى الشابي الشاعر”الجادّ”  حين يقول :” وليتني كنت مثلك أقضي أوقاتي في لعب الكارطة  والاستماع إلى السخافات وأكتب  هذا لأنك صديق وصديق من الذين لا يراهم الإنسان  كل حين  ويكفي أن آخذ في الكتابة أليك  والإفضاء إليك  بما أعاني  حتى أرتاح وحتى يكف وقر الهم على قلبي المكدود (ص89). والبشروش يبدو في رسائله مترجما معرّفا مراسله بما ينشر في الكتب والجرائد الفرنسية  حيث يقول في الرسالة الثانية عشرة بعد الحمد والصلاة والسلام من نفطة في 25 افلريل 1933

   اخي 

رجعت  إلى نفطة  صباح الثالث  والعشرين  من الجاري فوجدت جرائدي  تنتظرني  وكان من بينها –البيتي ماتان – ففتحتها  وقرأت منها مقالا عن – اكتشاف لاتلانتيد

 المدينة التونسية المجهولة، L’Atlandide 

فأردت أن أترجم لك منه محلّ الحاجة منه ، واليك هو ” كنا أخبرنا بوصول الاستاذا ألبار هرمان من جامعة برلين (ص 81)

وهنا السؤال هل كان الشابي محتاجا إلى من يترجم إذا ماكان المتلقي المفترض في مثل هذه الرسالة بالذات وهو الشابي العبقريّ لا أحد يشاركه في كونه الشعريّ؟ وهاهوالبشروش  وفي رسالة أخرى  يترجم  ويعرف صاحبه بشعر تيوفيل قوتياي حين يقول ” فانا مشغول  ياصديقي وذهابي إلى صفاقس فد قرب-ولتقتنع  بهاته  الأرجوزة  التي ترجمتها  لك عن الشاعر  الفرنسيّ تيوفيل جوتيي

الشاعر والجمهور(ص60)

والبشروش في رسائله ومنها الرسالة الخامسة  ويكتبها من نفطة  قي 18 شعبان 1351  فيتحدت عن الوفاء لما وعد به  إذ يقول ” وأذكر أني وعدتك  في رسالتي  السابقة  بالتحدث  عن بعض الذين اخلصوا للفن ،وعاشوا لتحقيق غاياته البعيدة ، وقوانينه السّامية. وأول من يطالعني من هؤلاء هو 

  1. قوستا ف فلوبار-مؤلف مدام بوفاري  – وسلامبو- وهو قاصّ فرنسي  زار البلاد التونسية  ويعد أحد أقطاب المدرسة الواقعية  وكان يقول :” أي كان الشيء الذي نريد أن نقوله  فلا وجود لغير كلمة تفصح عنه …(ص51)

هكذا تجسد هذه الرسائل ما يريد أن يقوله الباثّ إلى متقبله المشار إلى اسمه أبي القاسم أو  بلقاسم  في رسائل دون أخرى يكتفي فيها  بعبارات تصدير مثل صديقي الأخ /أو أخي أو أخي الأعز أو سيدي الأخ الأعز/ إلى غير ذلك من عبارات بروتوكول الرسائل الأدبية التي لا تحدّد بالكامل هوية المرسل إليه وقد تكون نظائر لرسائل أو مسوّدات لرسائل ظل بعضها مشطورا احتفظ بها المؤتمنون على أرشيف الشابي لا البشروش(كما ذهب بي الظن قبل قراءة ما تصدر الكتاب من توطئة مستفيضة)وهي نسخ مصوّرة تبدو هيتبدو كماهي مرسلة من جانب واحد يظهر فيها باثها متعلقا بالمتقبل إلى حدّ الهوس سائلا عنه وعن دقائق أموره الصحية قائلا في الرسالة السابعة عشرة بعد الحمدلة  ( وهي قليلة في هذه الرسائل) من دار شعبان في 5 حوان دون ذكر السنة:

“أخي الأعز

بودي أن اعرف نتيجة التحليل  التي اعلم كبها الطبيب……… لاينقصني إلا أن تكون هنا ،.آمل أن لا يكون مرضك  عقبة في سبيل  ذلك  “ص 97

فالرغبة في لقاء الزيارة المنتظرة من  المرسل إليه إلى دار شعبان (دون ذكر الفهري كما في سائر الرسائل) هاجس بل نصيب  مسؤول عنه أو هو حق من حقوقه ،إذ يقول في الرسالة الأولى :” وفي هذه المرة  لست ادري  إن كنت تعزم على زيارة دار شعبان .

لقد أخذ الحليوي نصيبه ، وأين نصيبي أنا ؟

يجب أن تقدم قريبا ، قريبا وبصحبك الأخ مصطفى  والمهيدي . في انتظار الرد تقبّل سلامي.

محمّد البشروش(ص32)

وبقطع النظر عما جاء في الرسائل من إشارات عابرة إلى الأدب  حيث يقول في الرسالة الثامنة عشرة ” وإذا كنت  لا استطيع إن أقيم عذرا لصمتي عنك فان طقس الجريد في هذا الصيف وصحتك واشتغالك  بنسخ الديوان  هذه كلها أعذار لك لتقاعسك  عن الكتابة إلي وتأنيبي وتعنيفي .

بإخبارنا  الخاصة إلى الأدب   ولنكتب(هكذا بالطبع) الآن

– لقد نشر الزمان كلمتي عن الأدب وعلق عليها بيرم في العدد الأخير وقد اتفقت مع الحليوي  على أن ننشر الرسائل التي كنا نتبادلها عن لصوصية الشعر. وسابدا أنا من الغد بنسخ تلك الرسائل، ولعلك ترسل رسالتك فيذيعها الزمان (ص101)

وكانت قضايا الوزن وعيوبه وترجمة الشعر الفرنسي ونقده والحيرة من شانه اذ يقول في الرسالة العشرين  ” وتبين الآن وقد قرأت الأبيات البون بين قصيد ابليا أبي ماضي  وبين قصيد الشاعر الفرنسي .ما أقول لك بعد هذا ؟ (ص111 )

وهكذا نلقي نظرة على هذا الكتاب الهام والسؤال عن أهمية هذه الرسائل ودورها في التشريع لدراسة المؤثرات الثقافية في تكوين الرموز الأدبيّة وظل أمر الهامش منها مهملا أومسكوتا عنه بهيمنة ثقافة المحور على ثقافة الهامش ؟ 

(https://www.hanakaimaui.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *