روبير خوري “صوت الشاعر” الصادح في زمن الصمت المخيف لإعلام الثقافة والشعر والفكر
*كلمة الشاعرة ندى بوحيدر طربيه خلال ندوة حول كتاب “ذكريات بعدها بالبال” للشاعر والباحث روبير خوري بدعوة من لقاء 28/ 6/ 2024 .
مساء الخير، مساء الذكريات والأحلام، مساء الماضي والحاضر والغد.
نعيش ذكرياتنا، نحفرها بالبال. بعضها تزول طوعا، نتخلّى عنها كي نعيش ونستمرّ وكأنّ روحنا تدفنها قبل أن تميتنا أحياء. بعض الذكريات تزول قسرا، تُمحى من كتاب العمر أحيانا، تُمزّق الورقة أحيانا أخرى، وفي لحظة جنون قد يُحرق الكتاب.
بعض الذكريات، لا حاجة لنا لتدميرها أو نسيانها. باليةٌ هي، لا تترك أثرا، لا تحاكي روحا، ولا تراقص طيف حياة فينا. ذكريات نخونها بالنسيان، نضعها في خانة الزوال، تضمحلّ وتتحوّل إلى كيان آخر لا يشبهنا.
نعيش ذكرياتنا. بعضها تلازمنا طوعا، نُبروزها في بالنا كي نمضي قدما، ننعشها حتّى عندما نجدها تحتضر، أحيانا نستطيع إنقاذها وأحيانا أخرى نستسلم أمام رحيلها. نعيش ذكرياتنا، بعضها تلازمنا قسرا، تغتالنا، تحيطنا مهما حاولنا الهروب منها، تلازمنا. نتمسّك بها تحت شعار “أوفياء الذاكرة”. تلتصق بنا كالمغناطيس في لحظات الضعف، وتبتعد عنّا في لحظات القوّة، تخضع لقانون الجاذبيّة وفق حاجتنا لها، كأبياتي الشعريّة التي أقول بها:
بعدك معي بخيالك المنحوت
وبعدن صور حبّك بلا تغبيش
وياما حلمت إتذكّرك تا موت
وطلعت عم اتذكّرك تا عيش.
نحتفل اليوم بكتاب الشاعر والباحث روبير خوري ” ذكريات بعدها بالبال”. روبير خوري صاحب مجلة صوت الشاعر ورئيس تحريرها. صوت الشاعر في زمن الصمت المخيف لإعلام الثقافة والشعر والفكر.
قرأت كتابك. أصابتني الدهشة. فوجدتني في قطار عمرك دون ذكر اسمي بشكل مباشر. وجدتني في وشوشات الشعراء وهمس حروفهم ونور فكرهم وصدح مناسباتهم. مشينا خطّين متوازيين لقطارين يتشاركان المحطة ذاتها، والركّاب ذاتهم، والجغرافيا ذاتها، لكن بتوقيت مختلف. قطاران لم يجتمعا من قبل على المنبر ذاته إلّا في روح الكلمة. والتقيا في لحظة استراحة. كيف تمّ اللقاء؟ يومها، استقلّ الدكتور عماد فغالي قطارك وجاء حاملا كتاب “ذكريات بعدها بالبال” في محفظته. إنتقل بعدها إلى قطاري في المحطة التالية. فكان الكتاب نقطة التقاء الخطين المتوازيين.
يمضي كلّ قطار وعوضا عن الحديد والعربات والقاطرة، يصبح القطار رحلة زمنيّة لا متناهية.
روبير خوري، الشعر قاطرتك والسكة تاريخك، أمّا العربات فتشكّلت منذ الطفولة إلى مرحلة المراهقة والشباب والرحلات السندباديّة والمرحلة الشعريّة. عربات لا تعدّ ولا تحصى من مؤتمرات الزجل اللبناني إلى ندوات صوت الشاعر وعيد الشعر وكتاب الزجل اللبناني: منابر وأعلام وصولا إلى موسوعة الشعر العامي والتكريمات والذكريات مع الشعراء والإتحادات والنقابات والعائلة.
هي محتويات قطار عمر أكثر منها محتويات كتاب. مسيرة رائدة تتنقّل من عربة إلى أخرى وقاطرة روبير خوري قدّ الحمل وقدّ الحلم.
يقول الكاتب الروسي دوستويفسكي: “إذا ركبت القطار الخطأ، حاول أن تنزل في أوّل محطة، لأنّه كلما زادت المسافة، زادت تكلفة العودة”.
أمّا أنا فأقول: “إذا ركبت القطار الصحيح، لن يغريك النزول في كلّ محطات العالم، لأنّه كلما زادت مسافةُ الشِعر، زالت لهفة العودة”.
مبارك للشاعر والباحث روبير خوري نتاجه الجديد. وفي انتظار ما أصبح جاهزا للطبع من نتاجات واعدة لنا وللشعر أقول:
متل اللي حامل للوقت غربــال
من ذكرياته لبعدها بالبـــال
متل اللي حامل للصـدى وصيّـه
من صوت شعرو ينطق التمثال
شاعر كتب بحـروف مضويّـه
يمحي اليأس ويحوّله آمــال
ولم صارت الكـلمة تجـاريّـه
والصحف صفرا والحكم للمال
باعوا الصحافــه للعبوديّــه
الأقزام عطيوهــا لقب أبطال
باعوا الهويّــات الثقافيّـــه
وحبر السخافه والرخص رسمال
وهويّ بقي رسالـه سماويّــه
يحيّـك بميّ الشــعر شـلال
روبير خوري بصوت حريّــه
ضلّه بسبـاق الموهبة خيّــال
يرسم وحي ببيوت شعريّـــه
تحمل إرث وتعلّم الأجيـــال
إنّه الأصاله مش عدديّــــه
ولا تغرّهم شهـره واستغـلال
كلّ المظاهر زور مبنيّــــه
قيسوا البشر من نخبة الأعمـال
وشوفوا الشوك بهالدني شو كتير
وتأمّلوا زرار الورد شو قــلال.