سجلوا عندكم

من وحي حفلات التخرّج مالئة الدنيا وشاغلة الناس

Views: 174

د. جان توما

رسالة من أهل إلى ابنهم المتخرّج

أراكَ بُنيَّ في تخرّجِكَ كنخلةٍ في واحةٍ أَدَرْتُ فيها ماءَ البئرِ، الطالعَ من قلبي، ما بين يبابٍ، وَجَدْبٍ، وزرعٍ واخضرارٍ، شَذَّبْتُ نباتَها، سقيتُ جذوعَها بدمعِ عينّي.

تخرجُ اليومَ إلى عالمٍ لا جدرانَ دافئة فيه، كما في مدرستك حيث الوجوهُ الأليفةُ والملامحُ المأنوسة. أنتَ الآن ، إلى العراءِ،  خارجٌ، إلى حيث تكثرُ الأقنعةُ وتندرُِ الوجوهُ. احرص على أن تواجهَها ببساطتِك وعفويتِك، وحاول ألّا تدخلَ رمال مُغرِيات الدنيا المتحرّكة.

اخرجْ إلى دنياكَ مزوّدًا بقِيَمِ ربّاك عليها والداك، وتأكّد أنًه إذا ماتت العائلةُ يموتُ العالم. قد يبدو صعبًا ضبطَ انفعالات أهلِ هذا الكون أمام كبرياءِ إنجازاتهم، وقد أورثناكُم عالمًا مضطربًا، يتهاوى باعتزازِه بعلمه، يعيشُ ثنائيةً متناقضةً في بحثه عن أنسنةِ بات يفتقدُها في عالمِ روبوتيٍّ  تسودُهُ الماديّةُ المفرطةُ والمكاسبُ الواهية.

اذكُرْ دائمًا أنّ ما أخذْتَهُ من الكتبِ سيتساقطُ عند مواكبتِك ميدانيا ما حفظتَهُ ودوّنتَهُ. أنتَ الآن تربطُ المعلومةَ بالواقعِ وبالجدوى الاقتصاديّة أو الحضاريّة. تغيّرَتْ بساطةُ الحياةِ فانتبه، صِرنا في صناعةِ الحياةِ، وصناعةِ الثقافةِ في غيابِ روحِ الحياة ونسائمِ الفكر.

تخرَّجَتْ ولكن تذكَّرْ أنّكَ من هذا العالم، ولستَ من هذا العالمِ، لتحيا قاطعًا، باستقامةٍ، كلمةَ الصوابِ، بقوّةِ الحقِّ وليس بحقِّ القوّة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *