العميد ريمون اده حذّر اللبنانيين منذ 55 عامًا من التفلّت الأمني وفوضى السلاح والأطماع الإسرائيلية بالجنوب ومياه الليطاني

Views: 431

المحامي معوض رياض الحجل

يُشكل الثالث من تشرين الثاني 1969 لحظة مفصلية في تاريخ لبنان الحديث كونهُ يرمز إلى تاريخ توقيع الحكومة اللبنانية على اتفاق القاهرة الشهير والذي تم الغاؤه لاحقاً في العام 1987. عقدَ بعدها مجلس النواب اللبناني، وبعد استقالة الحكومة بتاريخ 25 تشرين الثاني 1969، جلستهُ البرلمانية لمناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة، التي تمثلت برئيسها رشيد كرامي، والوزراء: كمال جنبلاط، جوزف أبو خاطر، حبيب مطران، بيار الجميل، موريس الجميل، خاتشيك بابكيان، نسيم مجدلاني، رفيق شاهين، أنور الخطيب، فؤاد غصن، عادل عسيران، الأمير مجيد أرسلان، سليمان فرنجية، عثمان الدنا، وعبد اللطيف الزين، وذلك في الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة والأربعين من قبل ظهر يوم الخميس الواقع فيه الرابع من كانون الأول سنة 1969 برئاسة صبري حماده (1902-1976)، قد تضمنت الجلسة البرلمانية كلمات لعدد من النواب، كانت أبرزها الكلمة النارية التي القاها العميد ريمون إده (1913-2000) والتي تناولت عدة مواضيع وطنية، منها وضع البلاد الأمني بشكلٍ عام والمشاكل التي حصلت حينها وصولاً إلى توقيع الحكومة اللبنانية مُمثلة بقائد الجيش حينها العماد أميل البستاني على اتفاق القاهرة الشهير. هنا مقتطفات من كلمة عميد الكتلة الوطنية:

 

الشرارة التي أدت إلى اندلاع الأزمة

كيف بدأت هذه الأزمة؟ أنا أقول إنها بدأت في 28 كانون الأول 1968 عندما ضُرب المطار. ولماذا ضُرب المطار؟ لأن إسرائيل كما تعلمون تريد أن تخرب هذا البلد اعتقدت إسرائيل إنها، عن طريق ضربها المطار سينقسم المسلم والمسيحي، لأنه ربما كان هنالك من قال لها أن المسيحيين معها ضد المسلمين. 

ضربوا المطار وضربوه بطريقة مادية، أي أنهم لم يضروا بأرواح الناس، ضربوا 13 طائرة، واكتفوا بذلك، غير أن إسرائيل استغربت، كما قرأنا، أنه عوضاً عن أن ينقسم الشعب، اتحدنا جميعاً واتفقنا في ترك الجلسة السرية التي صارت علنية في اليوم التالي. وبالإجماع، بالإجماع اتخذنا قراراً. هذا القرار يقول: إنهُ يجب أن نرد (على) كل هجوم من إسرائيل علينا. وذهبنا حالاً إلى قصر الرئاسة، وبعد الاجتماع مع قائد الجيش، صدر البلاغ الآتي: «عقد مجلس الوزراء جلسة خاصة، يوم الثلاثاء 31 كانون الأول سنة 1968 استمرت من الثالثة والنصف حتى السادسة واتخذ فيها قرار بالرد على كل اعتداء إسرائيلي تتعرض لهُ البلاد، وتكليف السلطة العسكرية تنفيذه». 

إذا لأول مرة بعد ضرب المطار اجتمعت حكومة الرئيس اليافي، وكنا أربعة، واتخذنا القرار واعطينا امراً للجيش أن يصد أي هجوم إسرائيلي. 

 

لا دفاع جوياً في مطار بيروت

عندما كنت وزيراً للأشغال العامة، والمطار تابع لي، لاحظت، أن ليس هناك دفاع عسكري عن المطار. وقيل لي أن ذلك لا يجوز لأن المطار مدني. لن أرجع إلى خطابي السابق بهذا الخصوص لكني أثبت أن لا شيء يمنع حسب القانون الدولي، أن يوجد حول المطار المدني دفاع ضد أي غزو عسكري، خاصة في بلد كلبنان، هو في حالة حرب مع إسرائيل، وعندما كنت في اليوم الذي تلا الغارة الإسرائيلية موجوداً في المطار، ورأيت الميراج الإسرائيلية تحوم فوقه لتأخذ صوراً، وإنهُ رغم وجود المدافع المضادة للطائرات التي وضعت بعد الغارة لم يطلق النار على الطيران الإسرائيلي خوفاً من رد إسرائيلي لأن امكانيات الجيش الإسرائيلي والطيران الإسرائيلي أقوى من امكانياتنا، ونحن معذورون. 

لذلك، ذهبنا إلى المجلس واتخذنا القرار وقلنا، إذا «بدها تخرب هالبلد خليها تخرب» الكرامة قبل كل شيء. وكنا متفقين على أنهُ، إذا هوجمنا من قبل إسرائيل سندافع عن كرامة هذا البلد، لذلك، اتخذنا القرار الذي تكلمت عنهُ، يا دولة الرئيس عبد الله بك (اليافي). 

إذا لم تنجح إسرائيل في إثارة الخلاف. وربما فكرت في طريقة أخرى، لأن مصلحتها في خراب لبنان أكيدة. درسنا الوضع في الوزارة الرباعية وسألنا: لماذا حسب معلومات المراجع المختصة، ضُربنا من قبل إسرائيل؟ فأجبنا، ان اثنين من الفدائيين، مرا عبر الأراضي اللبنانية وذهبا إلى اليونان وضربا الطائرة الإسرائيلية في مطار أثينا. 

سألت: هل يوجد فدائيون هنا؟ هل توجد مراكز تدريب؟ الفدائيون، ما هو عددهم؟ قيل لي لا توجد مراكز تدريب وربما كان هنالك 140 فدائياً فقط موجودون في العرقوب، ولكن أحداً لا يشعر بهم ولا هم يزعجون أحداً. 140 فدائياً، تقريباً لا شيء، ورغم ذلك ضُربنا. 

سألت: هل لدينا امكانية للدفاع عن بلادنا؟ هل لدينا إمكانية عسكرية ندافع بواسطتها عن حدودنا؟ هل هنالك دولة تريد أن تساعدنا؟ واذكر أن دولة الرئيس كرامي في ما بعد فكّر في فرنسا. بعد درس الموضوع وجدنا إننا وحدنا، ففكرت، أو بالأحرى قدمت اقتراحين: الأول: طالما أن هنالك 140 فدائياً، فلنطلب منهم أن يحلوا عنا شوي لأنهم قد يسببون لنا مشاكل. رُفضَ الاقتراح لأنهُ لا يجوز منع العمل الفدائي. 

 

التحذير من مشروع “اردنة لبنان”

جئت من باريس من باريس وقلت بكل بساطة إن هنالك مشروعاً لأردنة لبنان. سألني أحدهم إذا كنت قد صرت سيبويه، وماهي كلمة أردنة قلت: أردنة من اردن، يعني، هنالك خطة مرسومة ليصبح لبنان مثل الأردن تماماً. التقيت شخصية اردنية فسألتها كيف بدأت القصة عندكم فقال: وضعنا غير وضعكم عندنا ستمئة ألف فلسطيني. من قبل كانوا 200 ألف لكنهم اتوا بالمعركة الأخيرة بعد 5 حزيران وبعد انهيار الجيوش العربية كان لا بد أن تستمر الفكرة الفلسطينية. أنا وافقت على ما قاله طبعاً. النار المقدسة يجب ألا تنطفىء كما يقال بالفرنسية وإلا نسي العالم قضية فلسطين ولا يجب أن تنسى القضية الفلسطينية، لذلك قام الفلسطينيون بحركة، وكان الفدائيون، وبدأوا بالأردن لكن من الصعب لثورة أو ثوار أن يوفقوا بين الثورة والنظام. في الأردن يوجد ملك ومجلس ودرك وبوليس ونظام وجيش، ولكن في الوقت نفسه يوجد ثوار لا يريدون أن يخضعوا لأوامر السلطة القائمة في الأردن، فكانت الاشتباكات بينهم وبينها، ويظهر أنهم تعودوا بعضهم البعض بعد ذلك. وكما أقول مراراً أول الرشح يزعج المصاب به، ثم يتعود المصاب على رشحه شيئاً فشيئاً. ورأيت أنه حقيقة يوماً بعد يوم ابتدأت اردنة لبنان بالرغم من أن وضعنا يختلف عن وضعهم من حيث عدد الفلسطينيين ففكرت أنه يجب عمل شيء، وكنا نجتمع ونقترح حلولاً لا يؤخذ بها، وماذا يمكن أن يعمل رجال السياسة أكثر من ذلك. 

 

الطريق الوعرة إلى اتفاق القاهرة…

تطورت الحالة وحصلت بعض الاشتباكات في الجنوب وعرفنا أن السيد ياسر عرفات حضر إلى هنا واجتمع بالعماد بستاني، واطلعنا كغيرنا من بعض السياسيين على بعض الأمور وفهمنا أن هنالك اتفاقية أو مشروع اتفاق من 14 نقطة أو من 9 نقاط. 

أساساً، هذا الاتفاق هو التنسيق، تنسيق العمل الفدائي. أنا كنت ضد تنسيق العمل الفدائي، وفهمنا فيما بعد أن هذا المشروع لم ينجح. لماذا لم ينجح؟ لأننا منذ بضعة أيام، سمعنا السيد ياسر عرفات يقول من إذاعة الشام. «أنا اتفقت في شهر أيار مع العماد بستاني ولكن في آخر الليل أتى أمر تلفوني من مرجع كبير أوقف كل شيء». رجعنا إلى الروح القدس يمكن. 

بعد ذلك صار الناس متخوفين منهم يريدون العمل الفدائي. ومنهم يتخوفون من العمل الفدائي، لأنهُ يمكن أن يسبب اختلافات بين اللبنانيين ويعرض لبنان للخطر وليس لأنهم ضد العمل الفدائي كعمل فدائي، وليس لأنهم ضد فلسطين، وليس لأنهم لا يريدون محاربة إسرائيل. وصار عدد الفدائيين يتزايد، فأصبح الفين ثم 3 آلاف، 4 آلاف. هذه الأرقام كنا نحصل عليها من الأوساط الرسمية. وفي 31 أيار اذيع بيان رئيس الجمهورية الذي قالَ فيه إنني أقسمت اليمين الدستورية ـ وهذا نصها حسب المادة 50: «إني أحلف بالله العظيم إني احترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه»، فرئيس الجمهورية هو الوحيد في لبنان الذي يقسم اليمين خلافاً لما يحصل في بعض الدول. 

نحن في الحلف اجتمعنا، وأيدنا رئيس الجمهورية في رسالتهِ لأننا اعتبرنا أن هنالك مادة دستورية وافقنا جميعنا على نصها، والأستاذ سليمان فرنجية كذلك أيده. في ما خصنا نحن لم نزل نؤيد موقف رئيس الجمهورية الذي يتفق والمادة 50 من الدستور. 

             

 

معركة عيترون… والـ “ميراج”

أثناء الاستقالة وغياب الحكومة كنا نسمع أن الطيران الإسرائيلي هاجمَ قرى الجنوب، شبعا، شويا، كفرشوبا. ومنذ شهرين، عيترون. وقد تكلّم بخصوص عيترون كامل بك الأسعد. وكنت أنا أتساءل أين الطيران اللبناني لأن المعركة بقيت ساعتين. معركة عيترون بقيت ساعتين. نحن اشترينا 12 (مقاتلة) ميراج، أنا لست اختصاصياً. لكني اجزم أننا لسنا بحاجة إليها. ولن نقدر أن نستعملها لأن مساحة لبنان ضيقة لدرجة، أن الميراج إذا طارت صوب الجنوب تصل إلى إسرائيل وهنا المشكلة، وإذا طارت صوب الشرق تصل إلى سوريا وهذه مشكلة ثانية. وإذا طارت من جهة البحر تصل إلى قبرص. 

الاختصاصيون قالوا إنهُ في بلد كلبنان لا فائدة للميراج. الميراج مفيدة للعراق، لسوريا لمصر. وكما قال صائب بك سلام، هنالك وسائل دفاعية مفيدة لبلد كلبنان أكثر بكثير من الميراج. عدا عن أننا البلد الوحيد الذي يكلفه الميراج على الأرض أكثر مما يكلّف لولا طار، لماذا؟ لأننا أثناء الأزمة الأخيرة كنا خائفين أن يسرقوها لنا، لم نكن نعرف أين يجب أن نخبىء هذه الطائرات، كنا نخاف، أن يسرقها الفدائيون أو غير الفدائيين. هل يستطيع أحد أن يصدِّق أن الطائرة على الأرض تكلف الدولة أكثر مما تكلفها لو أنها طارت، وكلنا يعرف كم تكلف هذه الطائرة عندما تطير؟ 

وقصة الميراج أقدم من ذلك: كان علينا أن ندفع نصف ثمنها، لأن القسم الثاني كان على الدفاع المشترك العربي أن يدفعه، لكن الدفاع المشترك العربي لا أعرف السبب، عدل عن ذلك. فأصبحت القضية بيننا وبين فرنسا. عندنا قرض من فرنسا قدره مئة مليون فرنك نريد أن نستعمله لغير هذه الأمور لكن الفرنسيين قالوا: قد تكون اليوم طائراتنا الميراج برسم البيع كما قيل لي. ولا أعرف إذا كنا سنلاقي من يشتريها بعد أن شعرنا أن لا حاجة لنا بها. 

الرادار لا ينفع لبنان

والشيء نفسه عن الرادار… اشترينا رادارا كلف 60 مليون فرنك. الرادار لا ينفع لبنان بسبب ضيق المسافة أيضاً، لأن الموظف الموجود أمام شاشة الرادار لا يستطيع أن يقول، أن طائرات العدو تهاجمنا، إلا عندما تقطع الناقورة. وطائرات العدو كي تصل من الناقورة إلى بيروت يلزمها دقيقتان. معنى ذلك أن الموظف لا وقت لديه ليتصل برياق، أو بالقليعات أو بالجيش، للأعلام عما رأى. قد نكون اشترينا الرادار لسوانا. ولكن من المؤكد أن لا فائدة لنا منه. هذه المعلومات أخذتها من اختصاصيين في فرنسا. أخبروني أننا نشتري أسلحة لسنا بحاجة إليها. فقلت لهم لماذا تبيعوننا إذا إياها؟ فقالوا نحن تجار مصلحتنا أن نبيع، ولكن أنتم لماذا تشترون؟ 

قد يكون هنالك سبب يمنع شراء الضروري والنافع. 

لذلك عندما كنت وزيراً اقترحت أن تؤلف لجنة تدرس الأسلحة التي نحن بحاجة إليها والتي تناسب وضعنا، واعتقد أننا طلبنا من فرنسا اختصاصيين أرسلوهم لنا، ولم أعرف ما حدثَ بعد ذلك، ولكن يا دولة الرئيس لا يجوز أن نصرف الملايين لشراء طائرات لا يمكن أن نستعملها ورادار لا نستفيد منه. في حين أن هنالك طرق وأسلحة يمكن أن تفيدنا. 

العدو يريد مياه الليطاني

كلنا نعرف، أن الخطر الإسرائيلي يصل إلى الليطاني. ليس بعد الليطاني. كلنا نعرف إذا كنا درسنا، وإذا كنا اطلعنا وإذا كنا نقرأ الصحف أن إسرائيل منذ 1919، تريد مياه الليطاني. إذاً، موقتاً لا خطر على صيدا، لا خطر عليك، الخطر على قرى الجنوب المجاورة للأرض المحتلة. 

ما كنت أريد أن أقوله هو أنه، في هذه الأيام كلها حيث، لا حكومة ولا اصطياف، لا سياحة لا اقتصاد لا تجارة، كنا ساكتين بانتظار أن تتدبر الأمور بالتي هي أحسن حسب تعبير رئيس السلطة التنفيذية. 

 

“الميراج” خلقت أزمة مع الروس

نرجع إلى قضية الميراج. لا شك أن هنالك ضابطاً شاباً في الطيران اللبناني قام بواجباته فأبلغ رؤساءه وأدى العمل المطلوب منه واتصل بالموظفين المطلوب إليه الاتصال بهم حسب ما قرأت في الصحف. في ما بعد، عرفنا أن هنالك مؤامرة مدبرة من قبل السوفيات لأخذ ميراج. أنا شخصياً مقتنع أن هنالك موظفين وضابط، صحيح أنهم اجتمعوا، وصحيح صار بينهم أخذ وعطاء بقضية الميراج، ولكن الروس ليسوا بحاجة إلى ميراج لأن الميراج موجودة في الباكستان، كما قيل لي، وليسوا بحاجة إلى أسرار الميراج. 

وراء قصة الميراج هنالك أيضاً قضية السبعين. وهذا هو المبكي المضحك. بلادنا في خطر ومع ذلك يوجد اناس يستعملون المكتب الثاني لسنة السبعين. طالما عرفتم بكل شيء، وسجلتم كل شيء، لماذا تدخلون بيت هؤلاء الجماعة وتطلقون النار عليهم، وتعملون مشكلة بين لبنان والدولة السوفياتية، السفير السوفياتي قال: إنه منذ سنة 1920 لم يتجرأ أحد في العالم على أن يطلق النار على موظف في سفارة سوفياتية. ونحن أطلقنا النار على موظفي سفارة صديقة. 

حكاية… حكاية… قرأناها بالصحف الإنكليزية والصحف الفرنسية قرأناها في الاكسبرس. حكاية من الحكايات سمعنا أناساً قالوا هؤلاء اللبنانيين غريبي الشكل، سيقعون في مشكلة لا أول لها ولا آخر مع أكبر دولة، ولماذا؟ لمعركة السبعين؟ 

الاحتجاج على دخول المجموعات المسلحة

لو أن المسلحين دخلوا، كما دخل الفلسطينيون الذين كانوا هنا وكان عددهم ألفين ثلاثة أو أربعة آلاف، وبقوا كما بقي الذين كانوا في العرقوب، والذين قد يكون مات منهم من مات في سبيل فلسطين، لما “احتجينا”. أنا احتجيت لما دخلت جماعة الصاعقة تحت ستار الفدائيين، إلى لبنان، غصباً عن الجيش، واطلقوا النار على الجيش، وقتلوا من الجيش. قتلوا المسلم والمسيحي ولحسن الحظ أن قتل المسلم والمسيحي، لأن ذلك أوجد وحدة وطنية حقيقية في صفوف الجيش، وحدة وطنية حقيقية، اتمناها. ولكن ما لا يمكن أن أوافق عليه هو الأوامر التي أعطيت من قبل القيادة وهي: حافظوا على راشيا والقليعات، وإذا راحت زغرتا، وراحت الطيبة، وراحت صيدا، فلا يتحرك أحد. قيل للناس في البقاع فليتدبر كل منكم أمره، هاتوا سلاح، وخذوا سلاح، صار الناس بالصالونات يتحدثون عن السلاح، السيدات تحكي عن السلاح، ما سعر البارودة؟ ما سعر الكلشينكوف؟ وغير الكلشينكوف؟ أسماء جديدة لا أعرفها. 

كل حكي الناس في هذه المدة هو السلاح كأننا في «الفار-وست» من مئة سنة. هذا ما أشكو منه كمواطن، إذ أنهُ لا يجوز لدولة تحترم نفسها، عندها قيادة، حتى بغياب الحكومة، لأنهُ بغياب الحكومة رئيس الجمهورية موجود، وكذلك الأوراق الواردة، أن تتصرف كما تصرفت، وأن تترك القيادة تصدر الأوامر كما أصدرتها. 

منعه من الاطلاع على نص اتفاقية القاهرة 

اتفاقية القاهرة يختلف عليها العلماء البعض يقول إن هذا الاتفاق معاهدة وقد قرأت اليوم الأستاذ أنور الخطيب يتحدث بالإنكليزية ويقول إن هذا الاتفاق هو Gentleman agreement وليس معاهدة. الأستاذ رباط يقول إنها معاهدة. الأستاذ أنور الخطيب يقول ليست معاهدة، شيء عن اليمين وشيء عن الشمال مثل دالوز. نحن رجال القانون تعودنا ذلك. أنا لا يهمني إذا كانت معاهدة أو غير معاهدة. ما يهمني هو أن أعرف كيف أني كنائب لبناني لا حق لي أن أطلع على اتفاقية أو على معاهدة تقرر مصير الشعب اللبناني وأنا ممثله اليوم. بكل أسف أنا ممثلهُ اليوم وترى في الصور أنهم اجتمعوا بمصر وأن عدة موظفين وعدة أشخاص يتداولون الأمر. “الداكتيلو” (“المكتب الثاني”) اطلعت على الاتفاقية. سائق ياسر عرفات اطلع على الاتفاقية. أكيد وهو راجع يكون قد أخبره لأنه زميله، طبعاً ليس سائقاً بمعنى الكلمة، وعبد الله اليافي لا حق لهُ أن يطلع. وعبد الله اليافي قد لا يكون يريد أن يطلع. أنا أريد لكني لم أستطع. 

سألنا: لماذا لم يكلف وزير الخارجية؟ فقيل لأن وزير الخارجية مستقيل. قلت أعرف الأستاذ يوسف سالم، وأعرف أنه مستقيل، لكن البارح كان في نيويورك يمثل الجمهورية اللبنانية وتكلم جيداً وقتها. كلامهُ لم يعجب البعض لكن أنا أعجبني. كيف يسمح لوزير الخارجية أن يروح لنيويورك ولا يسمح لهُ أن يروح إلى مصر. أنا استغربت كيف أن يوسف سالم يقبل كوزير خارجية أن يعامل مثل هذه المعاملة. 

وقرأت أن الاتفاق تمّ بين العماد بستاني والسيد عرفات بحضور الوزير محمود رياض والفريق أول محمد فوزي. يا سيدي لم تعد توجد سرية، صارَ المطلعون أربعة أو خمسة ثم هنالك السوريون والفلسطينيون، وهكذا صارت السرية علينا نحن فقط. 

سئلت هل تريد أن تعمل وزيراً؟ طبعاً شخص غير رشيد كرامي سألني، العفو، دولة رشيد كرامي، فدولته عارف سلفاً أني لن أقبل. أتاني هذا الشخص وقال إنه صاحبه وسألني فأجبته: يا سيدي أنا أحب أن أتعاون مع رشيد بك، لا مانع عندي، لكننا نحن مختلفان على موضوع الفدائيين، والآن يوجد سبب جديد وهو اتفاقية القاهرة هل أقدر أن اطلع على الاتفاقية؟ أجابني: لا أعرف. فذهبنا أنا والشيخ بيار الجميل وكاظم بك الخليل صاحبك القديم، عند رئيس الجمهورية، نحن كنواب، كرؤساء كتل، كرؤساء أحزاب. 

رئيس الجمهورية قال: أعذروني أنا لا أقدر أن أقول شيئاً. لماذا؟ قال هذه معاهدة. قلت لهُ يا سيدي نحن لسنا هنا لنفتح حواراً ونجادل عما إذا كانت معاهدة أو غير معاهدة. نحن مجلس، فإذا كان يوجد سر فلنعمل جلسة سرية. قال البعض في ما بعد أن السرية غير ممكنة في مجلس النواب. 

في كل بلدان العالم توجد سرية بعد ما اخترعوا كل هذه الآلات. الشيء الذي يقوله رئيس جمهورية أميركا السفارة الروسية تعرف به والشيء الذي يصير بروسيا كذلك السفارة الأميركية تعرف به، ولم يعد يوجد شيء سري. زعل البعض عندما تكلمت عن الميراج بحجة أنهُ كان يجب أن لا أفصح عن عدد طائراتنا. أنا عندما كنت «بالبانتاغون» منذ سنتين، نزلت إلى الــــ War room يعني غرفة الحرب وسئلت ماذا تريد أن تعرف عن بلادك؟ فأجبت سائلي: أرني ما يوجد في رياق، فضغط موظف على عدة أزرار في Computer وبلحظتين رأيت على شاشة تلفزيونية أمامي كل شيء: عدد الطائرات، الطائرات المهيأة للطيران، والطائرات العاطلة مؤقتاً عن الطيران. 

المطلوب إبقاء اتفاقية القاهرة سرية

إذا لم نقدر أن نعرف مضمون اتفاقية القاهرة. وأنا أستغرب كيف يقبل الوزراء على أنفسهم أن يعاملوا كالنواب، فإذا رجعت لدراسة الأستاذ أنور الخطيب الذي يقول إن Gentleman Agreement يمكن أن يبقى سراً على المجلس ولكن ليس على وزير الخارجية وعلى الحكومة، يصبح من واجبات الحكومة والوزراء أن يطلعوا على هذه الاتفاقية. ولكن أنا دون أن أطلع عليها أقول إني ضدها. لماذا؟ لأنها وافقت على شيء لم نوافق عليه في أيار. ويأتي السيد عرفات من إذاعة دمشق فيقول كيف ان الاتفاق تم مع العماد بستاني في 9 أيار، وقال بعدها في تصريح، إن الأتفاق الجديد مستوحي من بعض نصوص 9 أيار. كل شيء قيل فلا حاجة بكم أن تخافوا من أن يفشي أحد السر، هنالك سر واحد أننا ضعفاء وهم أقوياء هنالك سر واحد في أن أميركا تحمي إسرائيل، تموّل إسرائيل وتساعد إسرائيل، وروسيا تساعد العرب، خصوصاً أكبر وأقوى جيش عربي أي الجيش المصري، لكنها تقول لهُ أنا أعطيك معدات، طيران يا مصر ولكن أنت لن تتجاوزي القنال. من وقتٍ إلى آخر تطلقين النار أو ترسلين بعض طائراتك، وإلا كيف نشرح أنهُ منذ سنتين ونصف لم يستطع أكبر جيش عربي أن يحتل شبراً واحداً من أرض سيناء؟ 

فهل هناك اتفاق علينا نحن بين روسيا وأميركا؟ ربما، فكما استولت إسرائيل على الجولان قد يكون هنالك اتفاق لتصل غداً إلى الليطاني. 

قد يقال أنهُ طالما أن الاثنين الكبار متفقان فما نستطيع أن نفعل نحن الصغار. صحيح هذا عندهُ قنبلة ذرية وذلك أيضاً، وحتى المانيا، الدولة الكبرى مع جيشها المعروف بأنه أحسن عسكر في العالم انكسر عندما اتفقوا عليه. مع هذا أقول إني ضد اتفاقية القاهرة. أولاً لأنها تعطي إسرائيل العذر لضربنا وهي حتماً بحاجة لعذر تجاه الرأي العام العالمي، وثانياً إني أتساءل لماذا نريد أن نسبب مشاكل وقلقاً في هذا البلد. لا أعرف من قال مرة أهو رشيد بك أم صائب بك أن كل ما يقسم اللبنانيين يجب أن نبتعد عنه وكل ما يوحد اللبنانيين يجب أن نتفق عليه. اللبنانيون مقسومون حول هذه القضية والدليل على ذلك أن رشيد بك قدّم استقالته. اليوم تشكلت الحكومة، تشكّلت وفيها من جميع الاتجاهات ووافقت على الاتفاقية. أنا رجل ديموقراطي، فإذا وافقت أكثرية المجلس فأنا لا يمكنني إلا أن أنحني أمام إرادة الأكثرية برلمانيا، ولكن لن يستطيع أحد أن يمنعني من الجهر بعدم موافقتي على ما صار وليكن ما سيكون بالأكثرية. لماذا تريدون أن يحصل بالإجماع. الاجماع ليس ضرورياً. 

أنا ضميري يخوفني، أنا قلق على المستقبل، قلق من أن يطير لبنان الجنوبي. هنالك أناس يقولون ما هم إذا طار الجنوب طالما أن أهله يريدون ذلك، أما أنا فمنذ اليوم الأول قلت واتحدى بذلك زملائي نواب الجنوب أني لن أتنازل عن شبر من أرض لبنان. 

 

المطلوب من جميع الجيوش العربية محاربة العدو

اتفاق القاهرة لا يعرفهُ أحد. نتائجه فقط معروفة وهي التمرين في مخيمات اللاجئين، مرورهم بسلاحهم الكامل عبر الأراضي اللبنانية حرية تنقلهم، استعمال أرض لبنان للهجوم على إسرائيل. 

أنا عندما كنت في حكومة الرئيس اليافي قلت سنحارب إذا كنتم تريدون أن نحارب. ولكن في هذه الحال علينا منذ اليوم، أن نتخذ جميع الاحتياطات، لأنه غداً سيأتينا لاجئون لبنانيون. ما هي الاحتياطات التي اتخذتها حكومة رشيد كرامي؟ لا شيء. غداً إذا صار ما صار وجاءنا خمسون ألفاً من الجنوب أين ستضعونهم؟ من سيطعمهم؟ نحارب إسرائيل؟ أمس دخلت إسرائيل عيترون، ما فعلتم لتحاربوا؟ لا شيء لا شيء أبداً أبناء عيترون ما فعلتم لهم؟ 

الأكثرية موجودة في هذا البلد وموجودة منذ طرحت قضية العمل الفدائي، ونحن أقلية منذ سنتين، حسب منطقكم كان يجب أن تعلموا كما اقترح الأستاذ معروف سعد، أي أن توافق الأكثرية على العمل الفدائي وإذا كانت مقتنعة ولم تفعل فهذه جبانة منها وتحسب أو اتفاق، لا أعلم. ولكن إذا كانوا مقتنعين بالعمل الفدائي، وإذا كان دولة الرئيس مُقتنعاً من يوم استقالتهِ، كانت واجباته الوطنية تجبرهُ وتفرض عليه أن يجمع هذه الأكثرية ويأتون إلى هذا المجلس. 

قيل إن رئيس السلطة التنفيذية رفض. أنا اقترحت على الرئيس كرامي أن يؤلف حكومة ويطلع عند رئيس السلطة التنفيذية ويقولُ لهُ هذا منهاجي وهذهِ حكومتي لمصلحة البلد. لو أنهُ فعل ذلك لفهمته، لكنه استقال وقعد في بيته وانتظرنا، وحصلت حوادث بغياب الحكومة وبقيت القضية لا تهمه وهنا المشكلة الكبرى لماذا؟ لا أعرف قد يكون هنالك سر. 

فيوم يصبح باستطاعة القيادة العربية الموحدة أن تحارب سنمشي كلنا فلا أحد يريد أن يراعي شعور أو أمور أو مصلحة إسرائيل أنا أول من قال إن إسرائيل تشكل خطراً على لبنان أكثر مما تشكل خطراً على حمص وحماة وبغداد، لأننا نحن وإسرائيل بالمستوى نفسه، وجغرافيا في المكان نفسه، ونحن وإسرائيل نستطيع أن نستثمر الغرب، لذلك تريد إسرائيل بكل معنى الكلمة أن تهدم مطار بيروت ومرفأ بيروت لكي يتحسن مطار إسرائيل ومرفأ حيفا. 

إلا أن الفرق بيني وبين غيري هو أني أقول إننا اليوم لم نزل غير قادرين على الحرب والرئيس عبد الناصر في خطابهِ الأخير قال لسنا قادرين على الحرب. بالطبع، أثناء ذلك هو يعمل واجباته ويهيىء نفسه ونحن يوم يقرر الدفاع العربي المشترك الحرب سنمشي كلنا. وأهلاً وسهلاً بالفدائيين وأهلا وسهلاً بالجيوش العربية، ونحن صوتنا على دخول هذه الجيوش في 5 حزيران. 

إذن أكرر: أنا لست ضد محاربة إسرائيل أنا أقول أن ننتظر الساعة التي تكون الجيوش العربية قد جهزت بها نفسها وعندئذَ نمشي جميعنا، لأنه لا يجوز أن ينتصر مليونان على مئة مليون. 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *