سجلوا عندكم

زهور الشرفات

Views: 167

د. جان توما

ألقى جسده على الكرسي وتنهّد. في تنهيدته كلام، وفي عينيه شيء من الحيرة. لم يجعلني انتظر، بل افتتح الكلام بأنّ ولديه ما بين اميركا وكندا يريدان منه أن يلتحق بهما مع أمّهما.

كادت الدمعة تطفر من عينيه، متسائلًا لمن سيترك شجرة العنّاب ودوالي العنب وبستان الزيتون؟!

أشار إلى مجموعة مفاتيح بين يديه تعود لبيوت أقرباء له مهاجرين، يطلّ عليها، يتفقّد أحوالها. من سيرعاها ؟ ومن سيسقي زهور الشرفات التي صار يستحي من ريّها لأنّها تسأله بإلحاح عن أهل الدار ولا جواب عنده. قال لي: إذا سافرت من سيطلّ على بيتي ورزقي وبيوت أولادي؟ لم نعد أرقامًا ،صرنا مفاتيح تشتهي بوابات أقفال الدار من خلف البحار.

أسرّ إليّ بسؤاله الدائم وهو يطلّ من بيته الصيفيّ على متحف جبران خليل جبران كيف ترك جبران معارج الوادي وجلول التفاح ومسقط الشلال وينابيع المياه وجداولها ،واعتزل العالم بين أربعة حيطان في بوسطن ونيويورك؟! هل استعاض عن الحضور برتبة الغياب باستحضار الوطن في البال والخاطر كما يطلع النسيم من الوادي، وكما الضباب رداء المطلّات والحفافي والشير؟

هذه الأشهر قبل السفر تلاحقني بأن أرتّب حقائب الرحيل، ولكن كيف أجمع ملاعب الطفولة فيها؟ وأين أضع ساحات الضيعة والمدينة فيها؟ ما أشبه الموقف بطلب اختصار قصة عمر. وحدها رؤية وجوه الأولاد وكرج الأحفاد تعزي الغربة التي لن تطول… ولن تطول.

***

*اللوحة للرسام التشكيلي أندره كالفايان. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *