قصة قصيرة

Views: 172

مساء الحب الصامت

ahmad

أحمد الصغير

(أديب تونسي)

تلك الشرفة العالية مازلت أذكرها…

وتلك الزيتونة الهارمة مررت بها ذات يوم…

الكلب الابيض الرابض تحتها لاحقني مرات عديدة و مازال هناك… حاوية الفضلات على مكانها لم تتزحزح، وتلك البقعة المحفّرة على الرصيف تجاوزتها مجريات التاريخ فاذا هي على حالها… بائعة التين الشوكي تقف على العربة السوداء ذاتها، تردد الكلمات نفسها، وبائع الشاي الأحمر لم يبتعد عنها كثيرا…

المشهد غير قابل للتجديد… فالمكان هو الكمان، بنفس الطلاء… الابواب والشبابيك على هيئتها… وبعض القطط الشريدة تموء جوعا أو ربما رغبة في التجانس… عند منتصف النهار تنبعث من المنازل رائحة أطعمة الغداء قبل عودة الأطفال من المدرسة…

هناك في ركن الشرفة الأيمن وقفت كعادتها كل مساء… وقفت تمسك فنجان قهوتها الشهية… ترتشف فاذا على وجه القهوة رغبة في ملامسة شفتيها الشهيتين… ثوبها الوردي الشفاف يتماوج مع هبات النسيم الشرقي، فيلتصق بجسدها حينا ليكشف عن ادق أسراره و تموجاته، ويحكي قصة تماهيه اليومي في هذا الجسد الانثوي الرقيق.. ويبتعد حينا لتهدأ أنفاسه اللاهثة…

على صور شرفتها وضعت أواني مشكلة زرعت فيها قرنفلا ونعناعا عربيا… في الزاوية الأخرى وضعت كرسيا وطاولة صغيرة عليها مجلة فيها ارقى أنواع المكياج وأدوات الزينة…. ومطفأة سجائر.

في تلك الشرفة كانت تقف مساء فتتمهل حركة المارة على رصيف الشارع… ويتفق جميع العرب على رفع رؤوسهم نحو الشرفة…. نحوها .

في مقهى المغرب العربي الكبير، قبالة الشرفة… اتخذت لي مكانا وقهوة مساء يومية… كنت أرقب لحظة خروجها وفنجان القهوة في يمناها… كانت علامة التسليم بيننا أن يمسك كل منا فنجانه بكلتا يديه… وعلامة مغادرة أحدنا، أن يمسك قهوته بيده اليسرى… لم نكن نتحادث الا أننا قلنا جميع كلام الحب وأكثر…. في صمت عميق كانت قهوتنا تروي مشاعرنا…

اشتقت لقهوة المساء، فلم أعد أشربها… فهي لم تعد تجلس في شرفتها… كل مساء.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *