“المعلِّم” عبد الله غانم

Views: 539
غلاف كتاب "الأعمال المسرحية"، تتصدره بورتريه لعبدالله غانم بريشة الفنان رشيد وهبي
غلاف كتاب “الأعمال المسرحية”، تتصدره بورتريه لعبدالله غانم بريشة الفنان رشيد وهبي
جوزف أبي ضاهر

“متل السحر”… وسكتت “عصفورة أيلول”.

التفتّ من مْطلّ «باكيش»، حسّيت رح أوقع بـ كفّ بسكنتا، ع قرميد شي بيت، ويصير البيت قلبي الما عاد يعرف يفرّق بين بيت وبيت، بين سجره وسجره، بين فيّه وفيّه، بين كلمه وكلمه، بين شاعر و… أخدني السكوت، ردّيت عينييّ، وعَ ملوا كفّي انحط كتاب بعدو بدفا الولاده.

شدّيت عَ الكتاب قَدَر حبّي لـ بيّ الكتاب. سمّرني الوقت قدّامو، ومتل الـ كإنو شي من طفولتي رجع يذكّرني بأوّل قصيده حفظتها لـ «المعلّم عبد الله» من كتابي المشلّع، وبعدها ريحة وراقو حامله ريحة المدرسه: “أنا من لبنان/من جار السماءْ”.

… رفعت إيدي طلْتها… رجعت إيدي وع الصابيع شعر.

***

الكتاب الجديد لـ “المعلّم عبد الله” جامع تلات أعمال للمرسح، انكتبو بـ النُصّ الأوّل من القرن الماضي وحملو عناوين: شيطان البرج، شيرين، تنينهن انكتبو بـ الفصحى اللطيفه، سمعت فيهن صوت صارخ بوجّ الظلم، بوجّ العتمه الـ لابسه تياب التسلّط. وبين هالعملين مَغناة «نتيجة الحلم» المكتوبه بالمحكيّه، والأصح بـ الزجل اللبناني الأبيض اللهجه، والـ ما فيه عليه غبره من الفصحى الـ كانت فالشي حالها بـ زجل انكتب، أو تغنّى بهاك المرحله، وقبلها.

ومتل ما بيهذّب الجوهرجي الجوهره الـ بدّها تْـ طلّ ع النور، وبينضفها تَ تصير تليق بـْ صدر صبيّه… تتباهى، ويا حظها دقّت ع صدر شاعر وقالتلو افتحو.

نضّف “المعلّم عبد الله” الزجل. صيّرو مدخل لمرحله شعريّه انعرفت بعدو.

كلّ اللي تزيّنو أسامين فيها درسو بـ كتابو “العندليب” الـ شكّل مدماك أسـاس بْـ عَماره لشعر لبناني مَحكي… وصل لـ العالميّه، ودخل موسوعاتها.

***

عبدالله غانم
عبدالله غانم

بين إنّي كون بـْ الحلم، وبين إني أوعا رَمشة عين. سمعت تلات ضربات ع خشبة المرسح… وارتفعت الستاره. أنا والـْ كانو معي قْطعنا نَفَس. انسمع متل الوشوشه بين الكلّ: مَغناة المعلّم “نتيجة الحلم”. المغنّي طلّ بـ الأوّل، وعَ نقرة الوتر غنّى المعنّى غزل: “رشّت سْهام عيونها بـ قلب الحبيب/وراحت تْداوي عيونها عند الطبيب/قلتلّها رامي السِّهام بدّو دوا/وقلب المعبّا جروح كابس ع اللهيب”.

ما قدرت إلا ما روح مع الدهشه: كاتب هـ العمل هوّي المخرج، موزّع الأدوار… ورابط الخيط السحري من أوّل كلمه لـْ آخر كلمه. المرسح من وقت ما انزاحت الستاره، لَـ وقت الِّـ تسكّرت كان متل موج البحر. مْمثّل بيروح مْمثّل بيجي والقصّه محبوكه بـ الزجل، بْـ الحركه، بْـ الايقاع… الْـ مرّه بيرتفع بينقطع نَفَس الْـ المرافق المشهد، ومرّات بيهدا بيرتاح المشهد، وبيصيرو العينين يفتّشو بين الصور الـ مرقو ع صوره متل الأخدتها الذاكره وخبّتها. التقطيع المشهدي مترابط. لا تلبَّك وزن بـ الحوار، ولا تعبت قافيه، متل ما بيصير مع بعض الزجّالين الـ بيشدّو القافيه من دينتا تما ينكسر الوزن… وبينكسر. والـ بينكسر ما بيكفي يعود يتصلح ع الورق.

… ورجع الصوت والحركه والممثل، رجع المرسح يتغاوى بـ مطلع معنّى: “حبّيتها ومْرَقت عَ جسر الهوى/من ساعتو جسر الهوى تحتي هوى/حبّيتها، ويا ريتني ما عرفتها/ويا ريتني ما ربيت ويّاها سوا”.

***

بين التمثيل بـ الحوار العادي، والتمثيل بـ الحوار الزجلي في خوف تتحوّل النبره مع الزجل لـ شي بيشبه الخِطاب بـِ تصنّع وافتعال، هـ الأمر انتبهلو «المعلّم عبد الله» وبرزت صياغتو بسلاسه بتميل لـ العفويه وهيّ صناعه وموهبه بـ الوقت ذاتو.

يا بتهدّيك وبتمرّقَك وانت مش منْتبه. يا بتتركك توقع… وبتنتبه. بتنتبه كتير.

من المعنّى لـ القرّادي، الموشح، القصيد، لـ أبو الزلف، وعَ اليادي تَنَوّع بِقَدَر ما عطي المشهديّه غنى، بِقَدَر ما ساعد على تحريرها ونقلها من إيقاع لـ إيقاع ما بيسمحو لـ الرتابه تقرّب: “شفتا بعيني حواليها/تلات شياطين/هيدي هيي بـ عينيها/السود الحلوين”.

***

مَغناة “نتيجة الحلم” ترافق فيا الخيال بـ الواقع. حوادثها بترجع لـَ حدود سنة الـ 1905، قبل تسع سنين من حرب الأربعتعش الدنّس فيا العثملّي تراب بلادنا، ولـ اليوم بعد في خيال من بشاعتو عَ هـَ التراب: “بـ صدري قلوب طعنتها بْـ حراب/وشموس حلوه حْبستها بـ جْراب/هيدي بتبكي بنتها الْـ غابت/وهيدي بتبكي ابنها اللي غاب”.

… وبعد؟ بعدني بـ أقلّ من ربع الكتاب/المرجع: بـ الماده، بـْ الصياغه، وبْـ الشرح الوافي لـ العمل المرسحي الحقيقي. هـ التلات أعمال المجموعين وتحديدًا “نتيجة الحلم” طليعة المرسح الغنائي اللي انكتب بـ لغتنا، بـ لغة الأم الـ أوّل ما فتّحنا عينينا عَ الحياة سمعنا صوتها عم يكاغيلنا ويصلّيلنا تنغفى بـ الهنا، ولما تزوجنا زلغطتلنا ورقصت وتركت مطرح للحوربه بـ ساعات النجاح، وكلّ هـ اللهفه كانت بـ الزجل… ولما وقعت الصوره الْـ كانت بـ صدر البيت، وخافت يوقع عمود النص، بكيت ونْدبت الحظ والعمر الـ مرق متل غفلة عين.

“المعلم عبد الله” أخد من هـ المراحل: الحبّ، الغدر، النُبل… عطي لـ الفولكلور مداه، وزاد عليه عرض سينمائي بـ وقت كانت السينما بـ الكاد معروفي بـ بلادنا.

***

متل ما تفتّحت ذاكرتي ع قصيدة لبنان لـ “المعلّم عبد الله” بـ كتابي المدرسي، بختم بموشح لبناني من “نتيجة الحلم”: “لبنان قلبي بيحبّك/روحي بتفديك/مدري شو عاطي ربّك/حتّى عاطيك/…/الله عاطيك مْساحه/زغيري شويّه/تَ يحصر فيك الراحه/والحرّيه/يا لبناني يا واحه/بـ البرّيه/الأبطال نزلت عَ الساحه/ومعها ماضيك”.

يا هـ الماضي، يا هاك الماضي بْـ كلّ قساوتك، بْـ عذاباتك، بْـ فقرّك، بْـ غِناك، بْـ مَجدَك، بْـ ترابك، عطينا القدره نرجع نبني ع أساساتك الوطن الـ منستحق نحمل هويّتو وراسنا مرفوع.

… ويا «معلّم عبد الله» قبل ما اترك المنبر وارجع مع «عصفورة أيلول» ع مطل باكيش وطال بـ ايدي السما، اسمحلي بـِ طلب زغير: صحيح انعطالنا اليوم نوقف ع منبرك، نقرا من شعرك، من مرسحك، ونتباهى بـ فيّة حضورك الـ غامرنا… بس الموجودين، كلّ الموجودين جايين كرمالك مش كرمالنا، رجّع خيالك يمرق بين البيوت، وتروك صوتك يدقّ ع كلّ البواب.

البواب كلّها رح تنفتح، ناطره كتابك الأخير خميره لـ خبز مقمّر بْـ وهج معرفتك وثقافتك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*ألقيت في احتفال تقديم كتاب الأعمال المسرحيّة الكاملة «للمعلّم» عبد الله غانم في بسكنتا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *