سحر حيدر …”غلالة الشَّمس”

Views: 141

 سليمان يوسف إِبراهيم

بعد أن أَمطرتِ الشّاعرة سحر نبيه حيدر، من “عبق الرّياحين” أَوراقَ الزّمان عطورًا؛ وشرَّعت لأَهله “خزانة الرِّيح” مُحمِّلةً أَدراجَها والرُّفوفَ بما طاب وسما من خزين قلبها الشّغوف حُبًّا وطيبَ مُقامٍ، بين ذراعَي حبيبٍ تَرودُ رياضَ عُشب صدرِه الواعد؛ عاشت تختالُ غزالةً لعمرٍ من طموحاتٍ، تجوبُ رعيًا في مداها لشعابِ الأَحلامِ والأَماني، بنبض قلبٍ فتيٍّ يطاردُ أَضغاثَ أَحلامِ الصِّبا والشَّباب من غير تعبٍ ولا ونا…

امرأةٌ،عركتها الحياةُ وعجنَت سنيّها بماء الحقيقة، فصهرَتِ التَّجاريبُ تجربتَها الشِّعريّةَ وأنضجتها أَرغفةَ قصائدٍ، واثقةً أَنَّها لا يجوز لها أن تُبقيها “تحت المكيال”، فأَطلقتها منائرَ لبصيرة وبصائر قُرَّائها.

غلالة الشَّمس“، خابيةٌ تحفظ قلبَ الشّاعرة سحر نبيه حيدر وفكرها، لعُمرٍ لن يقفَ عندَه كَرُّ الزَّمان. وحمَّلتها للقرَّاء، بخمرةٍ من تجربة الحياة قصائدَ، تشعُّ بألقٍ مُضيءٍ” من روحٍ صادقةِ النَّبض، تنسابُ سلسبيلًا من الذَّات نحو الآخر.

كلماتُها والمفردات دانيةُ القُطوف، من حقلٍ مُعجميٍّ يرتبطُ ارتباطًا وثيقًا بالحُبِّ، وقد غدا فعلَ محبَّةٍ وانصهارٍ بخالقٍ أَحدٍ، تقيتُ أَبياتِها صدقَ عاطفةٍ!

إِنّه السُّموّ بحبّ الصِّبا، إلى مرتبة المحبَّة،مُدوّنٌ بيراعِ امرأةٍ خبرَت الحياة. فسَحرُ، ذات الرّياحين العابقة والخزانة المشرّعة لريح الحياة، غيرُها عن تلك الّتي تصرّ اليوم على الكشف عن مخزونها الشِّعري الجديد، وهي الأكيدة الواعية: أنه لربّما حبٌ يوضع خلف لثامٍ، أمّا المحبّة الحقّة بنورها المتوهِّج المُنير لدروب الحق والحقيقة، فلا!!

إنّ قلبَ”سحر” الّذي غدا متوهِّجًا بالمحبّة بدلاً من الحبّ المُتعارف على ضجيجه في صدور العُشّاق، لم يعُد شعرُه يليق بنُضح شعوره أن يوضع تحت مكيالٍ أو خلفَ قناعٍ… فنبضُ قلبِها المتوقِّدِ محبّةً وجمِارَ ولوعٍ بغمارِ تضحياتٍ، لم يعُد يحيا رهنَ انشغالٍ بلحمٍ ودمٍ وسيلِ بهرجاتٍ زائفةٍ لا طائلَ تحتها؛ بل غدا حبُّها، مَحبةً لخالقٍ عَجَبٍ، الخَلقُ تماهيًا بها، بمحبيهم إلى خالقٍ أحد يعودون!

ومن حيث الشّكل، لم تعتمد الشّاعرة في بوحها ونجواها لبثِّ مشاعرها، أَوزان الخليل والشطر الشعري، بل سلكت درب السّطر الشّعري معتمدةً على غنى المعنى وعُمق القصد، أكثر منه على توالي القافية وتناغم الوزن، بل على موسيقى داخليّة تتولّد من عوامل النَّبر والتَّنغيم وانسياب الإلقاء الّذي يُنزلُ الكلمة شغاف القلوب ومخدعَ الفكر في آنٍ معًا.

كتابٌ،قرأتُ في غمار قصائده سحرَ المرأةَ، كما تهجَّيت في شعره وجهها الإنسانيّ الّذي اكتشف خير السّبيل إلى مهجع النّور الّذي لا ينوص فيها ولا يخفت!!

أرى الشّاعرة تصوّفتِ الحُبّ ابتهالات، داعيةً الرّجل إلى الارتقاء بحبّه من  مفاوز الغرام، إلى مراتب عشقٍ يسمو بالقلب والفكر إلى مصاف مشاعرَ إنسانيّةٍ، تبقى وتُثمر في حقول العلائق الإنسانيّة الّتي زرعها الخالق في نفوس خلقه؛ وقلّةٌ من بينهم مَن حفظَ الزَّرعَ وسمح له أن يضطرد وينمو، في حقل نفسه أَغراسَ قِيمٍ وأنصابَ علائق إِنسانيّةٍ تضَّطرد غنى مشاعرٍ مُغتسلةً بماء شعور يليقُ بالإنسانِ المتبصِّرِ بالخواتيم الأَلِقَةِ!!

“مَن أنا؟!”، تساؤلٌ شعريُّ رمت به الشّاعرة على غلاف باكورتها “عبق الرّياحين“، حيث نسمعها تقول:

“أَرِمالٌ مٌتحرِّكةٌ أنا

أسرابٌ مرَّ من هُنا

أَمْ ضحكةٌ أَطلقها الزَّمانُ

عبرَ أَبجديَّةٍ ، طواها

   النِّسيان…؟ “

لأَعودَ أقف إزاءها على درفة خزانتها، فأجدها تختصرُ نفسَها بــ”الحــاء” وأَسمعها منشدةً :

” هو…

حِلٌّ

تِرحالٌ

وأنا

راحلَةٌ

تروحُ

تحمِلُ رَحلَها

حانَ رحلةٍ وحينَ رحيل؟؟؟”.

لأَعودَ فألقاكِ أَيا سَحر، ثورة امرأةٍ بسِحر الخصب اللاّمتناهي مأخوذةٍ!! وقلبُها، بشعرٍ مُغرقٍ عاطفةً تفيضُ. (https://www.disabilityhelpcenter.org) وبشعورٍ ملؤه الحنانُ مرّةً والحنينُ مرّاتٍ أُخرى إلى اكتشاف الرّجل الرّجل بمرارةٍ يتدفّق… إلى أن تُصيبَ من بحثها وطرًا برجُلٍ تحيا معه فرح الحُبّ الصّادق بحلوليّةٍ تامّةٍ…!!  وتعود للبحث عن ضالتها في “النَّجاوى الخرساء” حيث تجده الوحيد مَن يُصغي إلى نجاويها وفيضِ صدقِها عاطفةً!! وصولًا إلى “رِحاب الّذي هو”، مرورًا بــ “قدَّيس”، ” نبيذٌ مُعتَّقة”، فــ “سرابٌ”،”لعبة المُستحيل”، و”قلمٌ”. في مجملها رحلة ارتقاءٍ ما بين درجات المسيرة ومدارج السّير إرتقاءً نحو خالقٍ أحدٍ أوصانا بالمحبّة، ومَن تَبِعَ وصيّته حبيبًا امتلك، لا يتخلّى عنه ولا يخذله البتّةَ. 

راقيةٌ محبَّتُكِ سحر نبيه حيدر، تواقةٌ مشيتكِ على درب السُّطور نجوىً هَيمى برِضى خالقٍ أَحد، سخّرتِ في سبيلِهما نبضَ الحرف بوجدانيّةٍ، أَغرقَتِ المعاني صدقًا ورهافةَ شعورٍ، جعلتكِ تجِدين نفسَكِ على مثلِ ما تَشتَهين!!

أَيا قارئَ ” سحر”، أُوصِيكَ أَن تُقبلَ على قصائدها، إِقبال النَّسيم على الزّهر، رفقًا بفَوحِ عطرِ حضورها قلبًا وفكرًا، وقد أَرادت من تضوُّعهما: ألاَّ يمكثَ شُعاعُ الحبر منهُما، تحت غلالة النِّسيان… بل لتَشعَ ضياؤه رسُلاً عنها، في قلوب كلِّ مَن سيتصفَّحونَ نهداتِ حبرِها فوقَ أَديمِ الورقِ؛

وقد نجحَتْ .

                 وإلى لقاءٍ يتجدَّد شاعرتي مواسمَ عامرةً، فوق بيدر إِبداعٍ لايمحل تدفُّقَ عطاءٍ.

                                    عنّايا، في 15 تشرين الأوّل 2018

***

(*) مقدّمة ديوان “غلالة الشمس” الصادر حديثًا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *