سجلوا عندكم

جريج بوهارون… ساحر الواقعية المدهشة!

Views: 317

كلاريا الدويهي معوّض

الإبداع هي الصفة الأقرب الى أعماله…

لم يسكَر بنجاحه وتألُقه كما لم تسرق تعليقات الإعجاب والدهشة بأعماله شيئاً من تواضعه.

دربه لم تكن سهلة، لكنه تحدى العراقيل بالمثابرة والبحث عن هوية خاصة به.

حفر الجبل بإبرة والنجاح الذي حققه يثبّت لديه قناعة أنّ من جدّ وجد.

عندما تقع عيناك على لوحاته يتملكك إحساس بدهشة مقرونة بالإعجاب لما تحمل من لمسات مبدع راق وريشة فنان ساحر.

يرسم أدقّ التفاصيل التي تبث الحياة في اللوحة فتخالها “تتكلم”.

أمام لوحاته تضيع بين كونها لوحةً أم صورةً فوتوغرافية لدقّة تفاصيلها ووضوح معالمها.

إنه الفنان التشكيلي الزغرتاوي اللبناني جريج بوهارون الذي قدّم للفن أجمل الأعمال.

 

“جبران” البداية

في التاسعة من عمره اكتشف موهبته، وكانت صورة جبران خليل جبران في كتاب التاريخ أول ما لفته، فحاول طباعتها ونجح، ثم قرّر رسمها وهكذا كان فكرّر المحاولة.

في البداية  رسم بو هارون بقلم الرصاص ثم تعلّم تقنية الزيت واعتمدها وسيلة تعبير على المساحة البيضاء.

حين كان في الصف التاسع في مدرسة الفرير، طَلب منه أستاذه في مادة الرياضيات المرحوم جورج زخيا رسم صورة القديس جان باتيست دي لا سال،  بعدما لاحظ موهبته في الرسم، ففعل وكانت بحجم ٥٠×٦٠ وعلّقت اللوحة في الصف، وعندما دخل الأخ اميل عقيقي إلى الصف لفتت نظره اللوحة، وسأل عن صاحبها، فقيل له الطالب  جريج بوهارون، فتوجّه إليه قائلا: “هل تعلم أن صليبا الدويهي، حين كان في سنّك، لم يكن أشطر منك؟!”، ما زالت هذه الكلمات تحفر في نفسه، وتركت هذه القصة  أثراً فيه، لمعرفته بأهمية هذا الفنان الكبير (الدويهي) من لوحاته الفنية الرائعة في كاتدرائية مار يوحنا، وقد  شكل هذا الإطراء تحولاً لديه وأعطاه دفعًا الى الأمام ليطوّر موهبته .

معارضه

للفنان بوهارون مشاركات في معارض داخل لبنان وخارجه، استهلها بمعرض “سوق الفن الأول” الذي نظمّه المخرج الراحل سايد كعدو في دير راهبات المحبة اللعازارية حينها والمستشفى الحكومي حاليًا، وشارك فيه عشرون فنانًا من زغرتا، كان جريج أصغرهم (14عامًا)، وقد عرض لوحة كبيرة الحجم عن وضع لبنان، الذي عبّر عنه بسفينة فينيقية في بحر هائج، تتلاطمها أمواج عاتية ويصليها تنّين بنيرانه، فيما تواجهه ملائكة لحماية السفينة. وقد لفتت هذه اللوحة نظر أحد الصحافيين، فاعتقد للوهلة الأولى أنها من أعمال والدي رحمه الله، وسجّل ذلك في جريدة “النهار”. (gossipnextdoor.com)

مشاركته الثانية كانت في معرض “سوق الفن الثاني” (1985) في ساحة كنيسة مار جرجس في إهدن، وكان في الخامسة عشرة في عمرء، وتوالت مشاركاته في المعارض، من بينها معرض في استراليا نظّمه جورج يميّن، شقيق الفنان الكبير سايد يمّين، لفنانين من زغرتا، والمفارقة ان لوحات بوهارون بيعت في الافتتاح ، فطلب منه يمّين إرسال لوحات أخرى .

 

إعطاء اللوحة حقّها

منذ بداياته استحوذت أعماله الإعجاب واتخذ شعار “أحبّ أن أعطي اللوحة حقّها”.

درس الهندسة الداخلية على مدى ثلاث سنوات، لكن مع مرور الوقت أدرك أن خياره لم يكن صائباً، فتفرّغ للرسم وبدأ يعمل على تطوير ذاته، فدرس الفنون التشكيلية وأصول ومبادىء الرسم وتقنياته، ومما تتكوّن اللوحة، وكيف تتوزع الألوان فيها، وأعاد رسم أكثر من أربعين لوحة لفنانين عالميين Reproduction .

لم يكن رسم هذه اللوحات سهلاً، لكنه رسمها كلها، فصقل موهبته وتقنيته في آن ويقول في هذا المجال: “أنا على قناعة بأنه ليكون لدي أسلوب خاص بي، وأتمكن من تنفيذ أفكاري أحتاج الى “التقنية”، فثمة  فنانون مميزون، لكنهم يفتقدون الى تقنية عالية في الرسم الواقعي، وكثر يهربون من الرسم الواقعي الى الفنون الحديثة”.

عمّق الفنان بو هارون خبرته بالفنون الكلاسيكية والمدرسة الواقعية، من ثم اختار طريقاً خاصاً به. حتى أن لوحاته لا تحتاج الى تسويق “لم أشعر يومًا بحاجتي الى تسويقها لأنها مطلوبة بما يفوق قدرتي على تلبية الراغبين في اقتنائها”.

 

المرحلة الأصعب

بعد دراسة تقنيات الرسم، انصرف الى دراسة المدارس الفنية بشكل منفصل: مقوماتها، نشأتها، روادها، أركانها، أساليب تنفيذها، وبدأ بتطبيقها. وهو الآن في المرحلة الأصعب في مسيرته الفنية لأنه يحاول أن يخطّ دربًا خاصًا به ويترك بصمة. في رأيه وقناعته أن الجسد مادي والروح غير مادية والتقاء المادة والروح معاً يمنح الحياة.

حاول بو هارون الجمع في اللوحة الواحدة بين المساحة التي لا حدود لها وبين تفصيل جزء معيّن فيها، بهدف احيائها. وقد أنتجت هذه التجربة لوحات كتب عنها النقاد بإيجابية، ما حمّله مسؤولية على هذا الصعيد.

بالنسبة إلى رسم البورتريه، يشدد بو هارون على أنه يجب ألا يخضع لأي تجارب فنية، لأن الإنسان على صورة الله ومثاله، وأي تلاعب او تشويه في ملامحه هو تشويه لإرادة الخالق”. لذلك يحرص في رسم البورتريه على الواقعية، وأن يكون الانسان كائناً حيّاً من خلال اللوحة. وقد وصل الى مستويات عالية في هذا المجال.

 

وسام الشرق الأوسط

عمل وتعلّم كمن حفر الجبل بأبرة والخلاصة: رضىً تام عن النتيجة. رغم الصعوبات والعراقيل، تكللت مسيرته بالتقدير الذي يستحق، وبتكريمات  من بينها: وسام ذهبي منحه إياه رئيس في جامعة الشرق الأوسط في بيروت الدكتور لايف هونغستو في أيار 2017، وسط حضور مميز من أهل العلم والثقافة والصحافة.  كذلك كرّمه مركز ناجي نعمان الثقافي في جونية، موقع For Zgharta الإلكتروني، ومنتدى “ريشة عطر” عام 2018.

رسام الدهشة!

 جسّد بو هارون في لوحاته مشاهد حفرت في ذاكرته كوادي قنوبين وجبل مار سركيس حيث طبعت ألوان طبيعتها في ذاكرته. يفتخر بأن لوحاته التي يفوق عددها الألف، موزّعة بين لبنان وأرجاء العالم، بعضها لشخصيات معروفة في الشرق والغرب، ما يعزز ثقته بنفسه، لكن ما يفرحه، الدهشة التي يراها على وجوه من يرسمهم، كالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الذي فرح حين رأى لوحته المعلّقة في صالون الديمان، ووزير المالية علي حسن خليل، الذي فوجئ عندما شاهد اللوحة الخاصة به ونوّه بها.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *