“الثقة بالسلطة صفر بالمئة”

Views: 1533

المهندس هادي كساب إسماعيل

يزرع الزعماء في شعوبهم حب الوطن والتعلق بتُرابه وعدم المساومة على القضية العربية، فيُرسخون ذلك في المدارس والجامعات، وإذا بهم يَلعنون حياة الشعوب ألف مرة عندما يُقبلون على الحياة المهنية…..

 تُتابع الحياة السياسية مسارها المُعتاد نحو المزيد من الكيديات والعنتريات وتأجيج الصراع بين صفوف الأحزاب الحاكمة، في الوقت الذي يعيش فيه المُجتمع اللبناني برُمته حالة من الضيقة الاجتماعية الخانِقة التي تطال كافة الشرائح والفئات العُمرية في معظم المصالح الخاصة والمؤسسات العامة التي لا تزال ترزح تحت سلطة الفساد والفوضى، فقد باتت البطالة تُشكل خطراً كارثياً على صعيد الاستقرار الاجتماعي والانتمائي لدى الشبان والشابات الذين يئسوا من انعدام الفرص المهنية التي يستحقونها، بعدما فنوا ما بقارب العقود الثلاثة من أعمارهم في سبيل التحصيل الدراسي.

لقد انعدمت ثِقة المواطن بالسلطة لتُصبح صِفرًا بالمئة بعد أن بلغ حجم الوعود مُعدلاته القصوى في النفاق السياسي والطائفي، وذلك ببركة رجالات السلطة وزُعماء الطوائف الذين تعهدوا الكثير وأخذوا على عاتقهم مشروع الإصلاح ومكافحة الفساد، إلا أنهم لم يُنجزوا إلا المزيد من الإهمال والتقصير في كافة القطاعات الاقتصادية والقضايا الأمنية والإنمائية التي باتت على شفير الخروج عن السيطرة والانهيار، نتيجة الاصطفافات التي تنتهجها الأحزاب في سياستها من أجل تحصيل مصلحة الطائفة والبيت الحزبي، من دون الاكتراث بمصلحة الأمة التي أصبحت شعاراً على ورق. 

فالشعب اللبناني الذي عاش طوال الفترة الماضية على هامش الأمل بغدٍ أفضل عند كل استحقاق انتخابي، بات اليوم أكثر إصراراً وقناعةً بالحصول على تأشيرة السفر التي تنقله إلى أي بقعة في بلاد العالم، حتى وإن تطلب الأمر أن يحط الرحال في أكثر المُجتمعات اختلافاً في الأيديولوجيا والمُعتقد، لأنه يُدرك تماماً أنه لن يكون أقل شأناً من تلك الشعوب في الحقوق والواجبات، وأن ذئباً سياسياً لا ينتظره كي يسلب ماله عند كل مُنعطف في حياته المعيشية.

أي لعبة يتقاذفها الزعماء في بلادنا؟ وأي مُخطط يرسمونه لمُستقبل المنطقة؟ يزرعون في الشعوب حب الوطن والتعلق بترابه وعدم المُساومة على القضية العربية، فيُرسخون ذلك في المدارس والجامعات ويكرسونها في الدستور والقوانين التشريعية، وإذا بهم يَلعنون حياة الشعوب ألف مرة عندما يُقبلون على الحياة المهنية التي انتظروها بإرادة وعزيمة، فتموت أحلامهم وتندثر ويُصبح الرحيل خيارهم الوحيد حتى لا يموتوا في غربة الوطن، وتتحول طموحاتهم إلى أُمنية سجينة في أذهانهم تشتكي الحزن والحسرة على ما فاتهم من مضيعة للوقت، بينما يعيش الزعماء حياة الرخاء والترف والتفرغ إلى جمع الثروات وتقسيمها على الأبناء والأحفاد من أجل الحفاظ على البيت السياسي، فيعقدون المُؤتمرات والندوات في أفخم الفنادق والقصور المُجهزة بأحدث مُكبرات الصوت والضجيج الإعلامي الصاخب، يُشددون على مواجهة المخاطر الكبرى لصفقة القرن ويُبرمون المعاهدات التي تُغرق الأمة في قرون الجهل والتخلف.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *