مَرْكَبٌ فَقَدَ ذَاكِرَةَ الِإبْحَار

Views: 832

د. محمّد م. خطّابي

 “مَرْكَبٌ فَقَدَ ذَاكِرَةَ الِإبْحَار”، قَصِيدَة للشَّاعِرَة الكُوبِيَّة  المعاصرة  دُولْسِي مَارِيَا  لوينازDulce Maria Loynaz، الحاصلة على جائزة “ميغيل دي سيرفانتيس”، التي تُعتبر بمثابة نوبل في الآداب الإسبانية، ترجمها عن الإسبانية د. محمّد م. خطّابي.

تراءت للشّاعرة لويناز على السّاحل الكوبي الشّاسع المترامي الأطراف بَقَايَا مَركبٍ قديمٍ مهترئ، علاه الصّدأ، وملأته الطحالب، وإنتشرت في جوفه العناكب، بَدَا لها وكأنّه شبحٌ باهتٌ، مَنسيّ، مُجندلٌ، مُهْمَل على هذا الشّاطئ المهجور.

فإذا بها تقول على لسان هذا المركب المنكود الحظّ، والسيئ الطالع، الذي فَقَدَ ذاكرةَ ومُتعة الِإبحار:

لستُ أدري متىَ،

 ولستُ أدري مَنْ

ألقىَ بهذه المرساة الّلعينة

 إلى قعر اليَمّ العميق

فى هذا السّاحل الغريب ،

أنا مَرْكبٌ بلا حِراك

منذ زمنٍ بعيد وأنا كذلك،

فقدتُ ذاكرةَ الإبحار

 ودِفءَ المرافئ

وفقدتُ ذاكرةَ إختراق

حيزومي في ما مضى،

غمرَ أعالي البحار

 واجتيابَ أبعدَ الآفاق .

***

ها أنذا الآن هنا  ثابتٌ

 في مكانٍ مجهول

فى شاطئٍ مهجور

لا ترافقني فيه

 سوى بقايا مراكب أخرى

ثابتةٌ مثلي بلا حراك

أو هي أنصافُ غرقى

فى هذا الماء الزّيتيّ الآجِن .

 ***

أصبحتُ أعاني من الجُذام

ويشدّني الحنينُ إلى البّحر

الذي كان يوماً موطني

وإلى بعض مَنْ عرفتهم

 بالكاد في اليابسة،

ذهبَ هؤلاء الذين كانوا

يتحرّكون معي بداخلي

أنا اليومَ مركبٌ  ينخرُهُ الفرَاغ

تعلوهُ العناكبُ

 ويُعشعش فيه الموت

أعيش فقط

 تحت وطأة هذه المرساة

القاسيّة الثقيلة

التي ما فتئت تُوثقني

 بقوّةٍ وعناد

إلى حمأة  طمي الأعماق

حتّى اليوم.

***

*د. محمّد م. خطّابي كاتب، وباحث، ومترجم، من المغرب ،عضو الأكاديمية الإسبانية- الأميركية للآداب والعلوم – بوغوتا-  (كولومبيا). هذه القصيدة مُدرجة في كتابه “حَجر الشّمس” ( ثلاثون قصيدة من الشعر الأميركي اللاتيني   المعاصر ، (إختيار وترجمة د. محمّد محمّد الخطابي). الصّادر عن المجلس الأعلى للثقافة (المشروع القومي للترجمة)- القاهرة – رقم الإصدار  172.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *