مايك النشار “العشريني”… يكتب سفر عبور جديدًا

Views: 1061

أنطوان شمعون

قالت : “إن شئت أن تكون من المتكلمين أكن لك من الشاكرين”.

قلت : “إن شئت أن أكون من المتكلمين أكن أنا من المحظوظين”.

إنها باسكال النشّار، كلفتني فشرفتني …

شكراً سيدتي …

لا بدّ من الاعتراف أولاً بأن مداخلتي حول كتاب “مايك النشّار” ستكون وجدانية تفاعلية أكثر منها نقدية،  أكاديمية، فالكلام الفلسفي على المنابر ثقيل ثقيل وقائله أثقل منه… وأقسم أمامكم بعمري الخمسين أنني لا أعرف هذا الرجل إلا من خلال صفحاته الخمسين وكم تشبه خمسينيتي خمسينيته!! لكل هذا ستكون شهادتي به غير مجروحة فاطمئنوا…

صديقي مايك

الآتي إلى آخر الصعب من أول العمر، أن تدخل باب الفلسفة العالي في سن العشرين شجاعة، وهذا دأب النسور  أن تطال السماوات من بطون الأمهات …

وأيضاً وأيضاً مع الإبحار “النشّاري” ها نحن اليوم نعبر مع النشّار إلى الفلسفة، يكتب مايك سفر عبور جديد،  يشقّ بحر الحقيقة بعصا العقل، ما هم موج او نو ؟!   فعصا الفعل طويلة وبال الفلسفة طويل طويل … شكراً مايك لأنك أخرجتنا من زحمة الجنون المتربص بنا وأدخلتنا فسيح عقلك.

يقرأ “النشّار” من اسمه فهو يقطع أوصال الحقائق والأشياء والأصنام ويعيد تركيبها بحرفية عالية فيصير  العبد سيداً والحاكم محكوماً…  لم لا؟ ألم يكن سقراط نحات صخور وعقول؟ ألم يكن يوسف النجار نجار الأرض والسماء؟

كتاب “النشّار” أيضاً يقرأ من عنوانه لا بل إن العنوان كتاب : “أسئلة على الأجوبة”. فالفلسفة عنده وقبل  أي شيء تساؤلات، وكل إجابة تتحول إلى سؤال جديد، طبعاً دون الوقوع في فخ العبثية أو الحلقة المفرغة بل على العكس من ذلك فتلمس الحقيقة ولو من بعض جوانبها وصول، فالفلسفة لا تدّعي احتكار الحقيقة، إن احتكار الحقيقة احتقار للحقيقة.

صدقت يا صديقي، فالحقيقة ليست وجبة جاهزة أو كنزاً نبحث عنه فنجده الحقيقة تبنى ولا تؤخذ. الحقيقة ليست في أي مكان وفي الوقت عينه هي في كل مكان.هي في كل ما قيل وما سوف يقال، في كل ما لم يقل وربما… لن يقال… في كل رعشة قلم… في كل رقصة نغم…  في أيّ ذرة… في أي مجرّة…

مايك النشار موقعًا جديده

 

كتاب “النشّار” أيضاً وأيضاً يقرأ من خاتمته فبكل بساطة يعلن صديقنا موت الخاتمة فهو يعتبر أنّ كلّ نهاية  هي بداية بمعنى ما. وفي الفلسفة تحديداً يبقى جرح الفكر مفتوحاً على مصراعيه وحين يلتئم هذا الجرح يموت الإنسان.

يظهر مايك في كتابه متواضعاً وهذه صفة من صفات الفلاسفة، والتواضع هنا لا يعني إطلاقاً الإقرار بمحدودية  العقل لا بل على العكس هي تأكيد على “لا محدودية العقل”. فالفيلسوف يتسلّق ذاته ليرتقي، يتسلق ذاته فقط كالقابض على النار بيدين من خشب، ثم يسقط طوعاً ليرتقي من جديد أكثر. ثم الفيلسوف يقول ما يقول همساً مخافة أن تسمع أذناه ويصدق ما نطق به فمه فيتكبّر ويتجبّر ويتحجّر…

يكره مايك التصنيف والنمطية فيقول : “لست رجل دين، ولا رجل علم، إنما أنا مجرد ساعٍ إلى آفاق ٍ جديدة…”

 كم نحن بحاجة يا صديقي إلى فكرك الحرّ في زمن الاستنساخ هذا، زمن أصبحنا فيه نسخاً لصورة واحدة مشوّهة. وهنا يدعونا النشّار إلى أخذ قرار : هل نريد أن نحيا أم أن نبقى فقط على قيد الحياة؟ طبعاً ليس على طريقة

 “نكون أو لا نكون” الشيكسبيرية، بل على الطريقة “النشّارية” أي أن نكون ما نريد أن نكون بمعنى أن نختبر ونختار هويّتنا ومصيرنا…

وأخيراً، يدعونا النشّار للعودة إلى الفطرة الأولى والفكرة الأولى الصاعدة من لا وعينا إلى وعينا تماماً كالينبوع  المتفجّر صافياً ، ويدعونا إلى التقاط هذا الينبوع قبل أن يصير ساقية أو حتى مستنقعاً.

بالنسبة للنشّار إن أعمق الأفكار أبسطها وأكثرها عفوية وطفولية، ولنا في الفنون أمثلة كثيرة ألم يقل الرحابنة: أبسط الفن أجمله قالوا: غمرني مرتين وشد…  شوفو الكزب لوين… مرة .. منيح .. تنين؟!

في الختام أقول معك يا مايك:نأتي إلى الدنيا وأقمطتنا علامات استفهام متواضعة. ونترك الدنيا وأكفاننا علامات استفهام كبرت معنا…

فيا صديقي مايك

إنّ من تنتهي أجوبته بعلامات استفهام كبيرة … هو حتماً كبير.

***

(*) ألقيت في احتفال توقيع كتاب مايك النشار بالإنكليزية The Questions to Your Answers.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *