أمين نخلة فرض على زوجته: إمّا الحجاب وإمّا الطلاق!

Views: 1112

صدر عن “دار نلسن” كتاب “ذكريات أديب العرب أمين نخلة” (كما رواها لـ نازك باسيلا)، في 174 صفحة قطع وسط، طبعة أولى 2019، قدّم له الشاعر ميشال جحا بالكلمة الآتية:

 

المقابلات الخمس الهامة التي اجرتها نازك باسيلا – شقيقة المحاميين الاديبين جوزف باسيلا (1920-1988) وسليم باسيلا (1923-2013) صاحب كتاب “المودّات” الرائع – في مجلة “الاسبوع العربي” سنة 1972 تلقي الضوء على حياة أمين نخلة وأدبه وعلاقته بأجداده وبوالديه وبزوجته وابنه وابنته وهو القائل:

ووالله ما في الوالدين كرقتي

                                             ولا كفؤادي في الصدور رحيمُ!

 

وهو لم يذكر زوجته في شعره كما ذكر ابنه سعيد وابنته مرسال. لم يتغزَّل بزوجته بل تغزّل بسواها. عاشت زوجته في الظلّ وهي هنا تروي لأول مرة علاقتها به وتفاصيل حياتية غير معروفة.

د. ميشال جحا

 

 

وهو متأثر بوالده الذي فرض الحجاب على زوجته فتمثل به وفرض على زوجته ايفون طرزي الحجاب تشبّهاً بوالدته حتى وفاة والده سنة 1939.

هذه الغيرة على الزوجة تدلّ على احترامه للمرأة المحصّنة وهو الذي كان يطالب في “المفكرة الريفية” بالألفة بين المرأة والرجل. كما تدلّ على أخلاق أبناء الجبل حيث التقاليد مترسّخة والعادات محترمة.

وفي هذه المقابلات نطّلع على آرائه وعاداته وانخراطه في السياسة وصداقته لرياض الصلح الذي بكى يوم اغتياله ورثاه بقصيدتين من أجود ما نظم. وكذلك على علاقاته مع كبار رجالات السياسة والأدب في لبنان وسوريا ومصر وفرنسا.

أمين نخلة

 

 

“لا يمين ولا يسار”

وزّع حياته بين السياسة والمحاماة والأدب الذي لا يرى فيه “لا يمين ولا يسار” كما يقول في إحدى هذه المقابلات حين قالت له نازك باسيلا إن البعض اتهمه بأنه يميني في أدبه. انتفض وأجاب: “أستغرب أن يطلق هذا الوصف على أدبي، ما معنى هذا، أحبّ أن أؤكّد في هذا المجال أن لا يمين ولا يسار في الأدب هناك. كما أقول دائماً عن الشعر. أدب ولا أدب. وليس هناك يمين ويسار”.

يظهر في المقابلات التي أجرتها مجلة “الأسبوع العربي” معه تمسكه بالعادات الريفية الجبلية التي تربّى عليها والتقاليد العائلية التي عاشها وألفها وحافظ عليها. مثل فرض الحجاب على زوجته كما كان قد فرضه والده على زوجته. وعدم السماح للمرأة بالخروج من البيت منفردة. كما تلقي الضوء على حياته اليومية ساعة يصحو وفي أي وقت يحلو له نظم الشعر؟ وممارسة الكتابة في جوّ هادئ لا يعكره عليه معكّر  وحياته الموزعة بين الأدب والسياسة والمحاماة.

وهو يقول في الحلقة الثالثة من المقابلات ما يلي:

“هذا مضافاً إلى كوني من الذين قد أعطوا الله عهداً أن لا يذكروا سراً من أسرارهم أبداً، فيخرجون من الدنيا، وهم يُمسكون على ما في صدورهم، خوفاً من ذلك السرّ الحبيب أن يخوض الناس في خبره – وكم حسرة في التراب!”

 

 

أديب العرب وشاعرها

هذه الذكريات التي نشرتها “الأسبوع العربي” سنة 1972، أي قبل وفاته بأربع سنوات، تُلقي الضوء على حياة أديب العرب وشاعرها أمين نخلة وتظهر لنا انعكاساتها في شعره، وتذهب بعيداً في التاريخ إذ تبدأ بعم جده عباس نخلة المولود عام 1797 والذي كان على علاقة ودّ مع الست حُسن جيهان أميرة قصر بيت الدين، كما تُظهر الرسائل المتبادلة بينهما والتي يحتفظ بها الأمين في “الخزانة النخلية”.

وفيها أن والده رشيد نخلة كان في مطلع شبابه كاتباً لتحريرات الشوف على عهد الأمير مصطفى أرسلان ثم تولّى مديرية العرقوب الشمالي ودير القمر إثر وفاة والده سعيد نخلة عام 1907.

وفي عام 1915 نُفي رشيد نخلة إلى القدس التي يحفظ لها بأطيب الذكريات كما يرد في كتابه “كتاب المنفى”.

 

 

“فدائيّو لبنان”

وبعد عودته نُفي من جديد إلى الأناضول فتوارى مع نفر من أنصاره في الشوف. وفي سنة 1918 أعلن الحكومة الأهلية في سراي بيت الدين بإسم “فدائيّي لبنان” مما جعل والدته تطلب من جمال باشا العفو عنه.

ونعرف أن أمين نخلة قد ولد في مجدل المعوش وليس في الباروك كما هو شائع. والسبب هو أن جدّه سعيد كان مدير العرقوب وسكن في مجدل
المعوش حيث كان قد اصطحب معه عائلته.

ونعرف كذلك أن أمين نخلة قد عُيّن مديراً لناحية العرقوب بين عامي 1916 و1917 وهو في الخامسة عشرة من عمره.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1918 عاد الأمين إلى الدراسة في الكلية البطريركية في بيروت ودرس على الشيخ عبدالله البستاني إمام العربية الذي كان يفضّل الشاعر حافظ إبراهيم على أمير الشعراء احمد شوقي الذي يفضله أمين نخلة الذي استشهد أمام معلمه بقصيدة شوقي “خدعوها بقولهم حسناء” التي تُغنَّى. بيد أن أستاذه قال له: “حافظ يجيد العربية ولا أتخيّله قائلاً في معرض التغنّي بحسن هذه الفتاة: “خدعوها” بمعنى إنهم خدعوها بالقول أنها حسناء وهي ليست كذلك، فتجده قادحاً حيث يريد أن يمدح”.

ونطّلع أيضاً أن الأمين كتوم يحفظ الأسرار وأنه أعطى الله عهداً بأنه لا يذكر سراً وانه من الذين يخرجون من الدنيا وهو يُمسك على ما في صدره.

 

 

إمّا الحجاب وإما الطلاق

وأمر هام نجده في هذه الذكريات وهو حضور زوجته إيفون طرزي، التي لا حضور لها في شعره، تروي كيف تعرّفت على زوجها أمين صيف سنة 1934 في عاليه يوم كانت تصطاف مع عائلتها. حيث تقول: التقيته صدفة الساعة السادسة مساءً وما كانت عقارب الساعة تقترب من التاسعة حتى كان يطرق باب بيتنا ويدخل بمفرده دون سابق معرفة. ثم تروي كيف أجبرها على ارتداء الحجاب مثل والدته قائلاً لها: إمّا الحجاب وإما الطلاق. بحيث تظهر لنا غيرته وتمسكه بتقاليد بيئته الجبلية وقد استمرّ ذلك خمس سنوات.

وفيها كذلك انه اعتاد أن يستيقظ عند الرابعة صباحاً ويبدأ في الكتابة بعد شرب القهوة التي كان يحضّرها بنفسه. وإنه كان دائماً بارّاً بأبويه وكان يقبّل يد امه كل صباح ويطلب من زوجته وابنه وابنته أن يفعلوا مثله.

وأمر هام نجده في هذه الحواريات هو اغتيال رياض الصلح الذي ربطته به مودّة وكيف انه بكى لدى سماعه النبأ. وهو كان موعوداً بدعم رياض الصلح للوصول إلى رئاسة الجمهورية. وقد نظم في رثاء رياض قصيدتين من أهم ما نظم من شعر وكان سمح لزوجته أن تحضر لأول مرة حفل إلقاء قصيدته في رثاء رياض الصلح.

وفيها حبّه لدمشق التي كان يزورها باستمرار ويلتقي فيها بخلاّنه من رجال سياسة وأدب وشعر. وهو قد درس الحقوق في جامعتها.

وانه كان يميل إلى سماع الطرب وهو الغناء الأصيل الذي يجعله لدى سماعه بأن يردد الله الله الله…!

ولذلك نظم قصائد في عدد من كبار المطربين والعازفين.

كان وفياً تظهر لنا عاطفته نحو أصحابه فيقول في الحلقة الرابعة:

“إن لي إخواناً وأحبّة وأساتذة قد سبقوا إلى رحمة الله وخلت من أنوارهم هذه الدنيا. أفيراد مني أن لا أبكي عليهم وان لا ترافقني عليهم الحسرات إلى التراب؟ ولذلك أسميت باب الرثاء في “الديوان الجديد” وفاء الشعر.

وهو يقول في رثاء العلامة عيسى اسكندر المعلوف:

قيل: يأتي كلّ يومٍ برثاء!

ويحهم، لا يستطيبون الوفاءْ…

بتُّ من فقدِ أخلاّئي، ومن   

كثرة التوديع موصولَ البكاءْ…

يقول عن مهنة المحاماة التي مارسها ثلاثين سنة: “أحببت المحاماة فناً وكرهتها مهنة” وإنه كان يميل إلى الدعاوى الجزائية منه للحقوقية أو التجارية، وهو ما سعى إلى الكسب الرخيص إذ كانت المحاماة لديه هواية أكثر منها مصدر رزق. وكان في اغلب الأحيان لا يتقاضى أتعاباً من موكليه وبخاصة إذا كان هؤلاء من رقيقي الحال.

وقد ترك في موضوع الحقوق مؤلفات لها قيمتها.

وهو كان يهوى الخط الجميل لذلك ذهب إلى اسطنبول ليتتلمذ على الخطاط التركي الشهير “حامد بك”.

وفيها كذلك علاقته بأندريه جيد وشارل مورّاس الأديبين الفرنسيين.

وها نحن إذ نعيد نشر هذه المقابلات نقوم بكشف الحجاب عن جوانب من سيرة الأديب والشاعر أمين نخلة بعد أن فتحنا “الخزانة النخليّة” ونشرنا بعض أسرارها ووضعناها بين يديّ القارئ.

ميشال جحا

“سعيد الآخر”

بيروت في 01/ 06/  2019

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *