الشجاعة من أجل الحياة والحكمة من أجل الوجود

Views: 494

الأب د. سميح رعد

ماذا يجري من حولنا؟ ماذا يجري فينا؟

أغلق عينيَّ لأتأمل بهذا الزمان الحاضر، لا شيء تستحضره لي مخيِّلتي إلا صورتين: صورة الأوبئة القديمة التي تخبرنا عنها كتب التاريخ وصورة الزلزلة…

ماذا يحدث عند الوباء؟

الموت يحطُّ برحاله في كلِّ زاوية… الخوف يسيطر على كلِّ إنسان… الكلُّ يريد أن ينجوَ بصوفته… أين الطبيب؟ أين الدواء؟ تضيع الأفكار كلُّ الأفكار ولا تبقى إلاَّ فكرة واحدة وحيدة هي النجاة… وإذا ما استفحل الوباء، تسيطر فكرتان: الموت الموت أو الرحيل الرحيل…

وماذا يحدث عند الزلزلة؟

يتضارب كلُّ شيء موجود… تترنّح الموجودات ترنحًا… ضجيجٌ… صراخٌ… موتٌ… دمارٌ… ركامٌ… غبارٌ… لا أحدَ يمكنه أن يتواصل مع أحد… يموت من يموت… الخوف يخيم على الوجود… حتى الموت يُصبح مشوَّهًا وممسوخًا…

وصورة واقعنا اليوم شبيهة إلى حدٍّ كبير بهاتين الصورتين.

مرض الأصوليَّات في كلّ مكان… يصيب من يصيب… المرضى مُفْتَرَشُون على كلِّ الأرصفة… العقول مغتصبة بأفكار وأفكار…

وزلزلة الحروب تصيب كلَّ زاويا الأرض… فهي موقودة في كلِّ مكان… الدماء تسيل أنهارًا وحيث تسقط كأنَّـما تسقط على رمول عطشى لا ترتوي…

القيم والموازين والمقاييس مقلوبة رأسًا على عقب… ركام… غبائر…

اقتلاع أناس من كلّ حدب وصوب…

تضارب المصالح لا يشبهه أيَّ صورة من الصور… الجميع بدون استثناء في خوف عظيم، والرعب يسيطر على النفوس.

إزاء كلِّ ذلك لسنا بحاجة إلاَّ إلى شجاعة من أجل الحياة وحكمة من أجل الوجود.

الشجاعة من أجل الكينونة.

الشجاعة على تأكيد الحياة رغمًا من كلِّ أشكال الدمار المحيطة فينا من سفكٍ للدماء أو اغتصاب أو إلغاء.

الشجاعة في النهوض، هي رفض الموت في اللحظة الحاضرة من أجل وجود أفضل.

الشجاعة هي رفض اليأس…

الشجاعة هي رفض الظلام والظلم الحاضِرَين… رفض الخنوع.

الحكمة هي القوَّة، هي ممارسة الحياة… هي الفعل الذي يمنع زوال الوجود، هي رفض الجهل والتعصُّب والظلاميَّة.

الحكمة من أجل الحياة النابعة من قوَّة المحبَّة. محبَّة الحياة الكامنة في داخل الإنسان.

المحبَّة هي القوَّة الجديدة التي تخلق في الإنسان كلَّ لحظةٍ وجودًا جديدًا.

القلّة الحكيمة والشجاعة هي التي تحسن النظر، قلَّة هي التي تبصر ببصيرتها… قلَّة نفذت من اللحظة الحاضرة – الضائعة المميتة وأبصرت غنى المستقبل.

في زمان الوجع هذا، هناك الانتظار… الانتظار غني بالرجاءات…

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *