سجلوا عندكم

مَضْروب

Views: 1133

مطانيوس ناعسي

(من كتاب: “حمار أعمال”)

أعرفُ شابًّا بَلَدِيًّا، يمتلكُ سيّارة رياضيّة جميلة، ابتاعها بالتّقسيط المُتْعِب، يَغسلها يوميًّا بدموع عينيه، ويُجفّفها بلسانه، ويُنفق في سبيل حُسن سيرها وتسارُعها معظمَ عرق جبينه، وما يتبقّى من هذا الأخير، يُنفقه على الزّينة الفيزيائيّة له ولسيّارته الغالية، توأم روحه، وشريكة حياته، وعلى بعض الطّعام والشّراب! وتلك التّدابير لطالما حتّمت عليه، كلّ شهر، النّوم جائعًا ليالي عديدة، أو على الأقل مُستَحْلِيًا وجبة طعام معيّنة، تحول دونها ميزانيَّته المُتدنِّية!

وهو أيضًا رياضيّ، كسيّارته، يصرف ساعات من نهاره في “ضغط” الحديد صعودًا ونزولًا، يمينًا ويسارًا، نحو الأمام ونحو الخلف، تارة مُقرفصًا، وطورًا مُقَنْطِرًا، حينًا مُنتصبًا، وأحيانًا مُنبطحًا، وذلك إيمانًا منه بأنّه مععضلات كهذه، وفي سيّارة كتلك، تكمن السّعادة!

وفي أحد الأيّام، وبينما هو “يضغط” الحديد إلى ما فوق كتفيه، شعر بِلَمْعَةِ ألمٍ ما بين أعلى فخذيه، فلم يأخذ أو يُعطِ في حينه، واعتقد أنَّ الأمر لا يتعدّى أمرَ انقباضٍ عضَلِيٍّ عابر في الجهة اليُمنى هناك. إلّا أنَّ الألم ما لبث أن تفاقم في الأيّام التي تَلَت، فأيقن، بعدما حَمْلَقَ في الموقع بوساطة المرآة تَكْرارًا، أنَّه مُصابٌ بتمزّق حادٍّ في الغلاف الجِلْدِيّ الدّاخليّ لذلك المكان الحسّاس، شبيه بالتّمزّق الذي استجدّ بالأمس، على الغلاف الِجلْدِيّ “للبيضة” اليُمنى في سيّارته الحبيبة!

كان كلّ ما تبقّى لديه من راتبه الشّهريّ آنذاك لا يتعدّى الخمسين دولارًا أميركيًّا، أي ما يكفي، إمّا لمُعاينة طبِّيَّة لجسده تفتح أمامه أبواب شركة التّأمين، وبالتّالي أبواب غرفة العمليّات، أو لمُعاينة السّيّارة وإصلاحها، فتنافست الأولويّات ليلًا في رأسه، ولم يبزغ قراره النّهائيّ في هذا الصّدد إلّا مع بزوغ الفجر!

يومذاك، وقبل أن تُفْلِتَ الشّمس من قَبْضَةِ الجبال، رَكِبَ السّيّارة على “أقلّ من مهله” دَرءًا لأوجاعهما المُشْتَرَكَة، وقادها إلى الميكانيكيّ بتأنٍّ يفوق المعهود، حيث استبدل “البيضة”، قبل أن يُكمل طريقه إلى العمل مُتألِّمًا مسرورًا!

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *