سجلوا عندكم

تأثير اللّغة على الفكر

Views: 84

رامونا يحيى

تؤثر بنية اللّغة الّتي يستخدمها المرء عادة على طريقة فهمه للعالم. إذ تتغير صورة العالم من لغة إلى أخرى، ما يعني أن اللّغة تحدد أعمق أفكارنا. (Alprazolam) فلا يمكن لمشاهدين مختلفين أن يروا صورة العالم نفسها إلا إذا تشابهت خلفياتهم اللّغوية. بكلام آخر ، يوجد “برادغمات لغوية” تحدد رؤيتنا للعالم. وهذا يدلّ على أن التّرجمة من لغة إلى أخرى ليست بالسهولة الّتي يظنها البعض، لأننا بحاجة إلى أكثر من معجم، وإلى أكثر من مجرد معرفة بلغة ما حتى نستطيع نقل أفكار معينة من لغة إلى أخرى.

لا نحتاج سوى لنظرة خاطفة لكي نرى، في هذه الأيام الأخيرة، أن العلم، وهو الملهم العظيم للثقافة الغربية المعاصرة، قد وصل، من دون قصد، إلى مشارف حقل جديد. فيجب عليه إمّا أن يدفن موتاه، ويرصّ صفوفه ، ويتقدّم نحو مشهد متزايد الغرابة، مفعم بأشياء تصدم الفهم المقيّد بالثقافة.

لقد جرى التنبؤ بهذا الحقل الغامض، من حيث المبدأ، منذ زمن بعيد، وأعطي اسمًا أنتقل إلى أيامنا هذه محجوبًا بخرافة ، فالجهد البطولي والمديد الذي بذله العلم لكي يكون واقعيًا تمامًا، أوقعه في شرك الوقائع غير المشكوك فيها للنّسق اللّغوية. ولم تقرّ وقائع العلم الكلاسيكي هذه، أو تواجه، أو تُفهم البتة كوقائع. بدلًا عن ذلك دخلت بيته من الباب الخلفي واعتُبرت جوهر العقل ذاته.

وكما أن الإنسان يتصوّر الكون الفيزيائي، ولا يملك عن مداه ونسقه إلا إلماعة ضعيفة، كذلك نتصور اللغة، من المتوحش البدائي إلى الطّالب المتعلّم. فقط علم الألسنية بدأ بالتوغل في هذه المملكة قليلًا، ولا تزال اكتشافاته غير معروفة على نطاق واسع من قبل الفروع العلمية الأخرى. لا يعرف الإنسان الطّبيعي، سواء كان بسبطًا أو عالمًا، عن القوى اللّغوية التي تؤثر فيه أكثر مما يعرف المتوحش عن القوى الجاذبية. إنه يفترض أن الكلام هو نشاط يكون فيه حرًا وغير مقيّد. وهو نشاط بسيط وشفاف، لديه عنه التفسيرات الضرورية. ولكن هذه التفسيرات لا تعدو أن تكون في النهاية سوى أحكام عن الحاجات التي تدفعه إلى التواصل، وهي ليست وثيقة الصلة بالعملية التي يتواصل بواسطتها. وهكذا سوف يقول أنه يفكر بشيء، ويحلّ كلمات محل الأفكار كما تأتي. ولكن تفسيره لوجوب امتلاك كذا وكذا من الأفكار قبل أن يتلفظ بها لا تلبث مرة ثانية أن تكون مجرد قصة حاجاته الإجتماعية في تلك اللحظة، وهكذا أن التفكير نشاط بديهي واضح المعالم، هو نفسه بالنسبة إلى كل الكائنات العاقلة، وتعدّ اللغة تعبيرا صريحا عنه.

الواقع أن التفكير غامض إلى أبعد حدّ، وأعظم ضوء ألقي عليه جاء، إلى حدّ كبير، من دراسة اللغة. وهي تُظهر أن هنالك قوانين متصلّبة لنمط ما تتحكم بصور أفكار الشخص الذي لا يعي وجودها. هذه الأنماط هي السستمات المعقّدة للغته الخاصة والتي لا يمكن إدراكها حسيًا وهي تظهر بسهولة كافية عند مقارنتها و معارضتها، بصراحة، مع لغات أخرى، خاصة تلك التي تنتمي إلى عائلة لغوية مختلفة. وكل لغة هي نمط شائع مختلف عن لغات أخرى تُرسم فيها ثقافيًا الصور والخانات التي لا تتواصل بواسطتها الشخصية فحسب، بل تحلل أيضا الطبيعة وتلاحظ أو تهمل طُرزا types من العلاقات والظاهرات، وتوجه استنتاجه، وتبني بيت وعيه.

لا يستطيع العلم أن يفهم المنطق التجاوزي لمثل هذه الحالة الواقعة، لأنه لم يحرّر نفسه بعد من الضرورات الوهمية المنطق الشائع والتي هي، ضرورات نمط نحوي في النحو الغربي، ضرورات لجواهر هي مجرد ضرورات لأسماء في مواضع معينة من الجملة، ضرورات لقوى، لتجاذبات،… والتي هي ضرورات لأفعال في بعض المواقع الأخرى، وما إلى ذلك. وفي النهاية سوف يشرع العلم، إذا نجا من الظلمة التي تهدده، بدراسة المبادئ اللغوية ويجرد نفسه من هذه الضرورات اللغوية الوهمية، التي عدّت لفترة طويلة جوهر العقل نفسه.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *