الفلسفة المعادلاتية وتحليل الفن

Views: 983

حسن عجمي

   تعتبر الفلسفة المعادلاتية أنَّ الفن معادلة رياضية مفادها التالي: الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة. من فضائل هذه النظرية فضيلة التوحيد بين المذهبيْن الأساسيين والمتنافسيْن حيال الفن وحلّ الخلاف بينهما.

   بما أنَّ الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، والمعلومات الممكنة هي المعلومات الصادقة في الأكوان الممكنة التي من ضمنها عالَمنا الواقعي (لكونها معلومات ممكنة)، إذن الفن يتضمن إنتاج المعلومات الصادقة في عالَمنا الواقعي. لكن المعلومات الصادقة في عالمنا الواقعي هي المعلومات المفيدة للإنسان والمجتمع لكونها صادقة. وبذلك الفن يتضمن إنتاج معلومات مفيدة للإنسان والمجتمع ولذلك الفن يتضمن خدمة الإنسان والمجتمع. هكذا تنجح معادلة الفن في التعبير عن أنَّ الفن خادم الإنسان والمجتمع ولا بدّ من أن يكون كذلك تماماً كما يؤكِّد مذهب أساسي في الفن.

 

الفن للفن

   من جهة أخرى، بما أنَّ الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، والمعلومات المستحيلة غير صادقة في الأكوان الممكنة لاستحالتها وبذلك هي غير صادقة في عالَمنا الواقعي، إذن الفن يتضمن أيضاً إنتاج معلومات غير صادقة فغير نافعة في عالَمنا الواقعي، وبذلك يصبح الفن للفن بدلاً من أن يكون في خدمة الإنسان والمجتمع. هكذا تتضمن معادلة الفن أنَّ الفن للفن وأنه لا بدّ أن يكون كذلك تماماً كما يصرّ مذهب آخر حيال الفن. كل هذا يرينا أنَّ معادلة الفن تتضمن أنَّ الفن خادم الإنسان والمجتمع كما تتضمن أنَّ الفن للفن وبذلك معادلة الفن توحِّد بين هذيْن المذهبيْن الأساسيين (ألا وهما المذهب القائل بأنَّ الفن خادم الإنسان والمجتمع والمذهب القائل بأنَّ الفن للفن) فتحلّ الخلاف الفكري بينهما فتكتسب هذه الفضيلة الكبرى.

   تنجح معادلة الفن أيضاً في التعبير عن الأنواع المختلفة للفن كالفن الواقعي والخيالي والعبثي ما يدلّ على مصداقية معادلة الفن وصدقها. فإن كان الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، والمعلومات الممكنة هي الصادقة في الأكوان الممكنة التي من ضمنها عالَمنا الواقعي الممكن، فحينئذٍ الفن يُنتِج معلومات صادقة حيال عالَمنا الواقعي وبذلك من المتوقع أن يوجد الفن الواقعي الذي يصوّر الواقع كما هو فينتج معلومات صادقة عما يوجد في الواقع.

   كما بما أنَّ الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، والمعلومات الممكنة تصدق في الأكوان الممكنة التي قد تختلف عن عالمنا الواقعي بينما الخيال يصوّر تلك الأكوان الممكنة المختلفة عن عالمنا الواقعي، إذن من المتوقع أيضاً أن يوجد الفن الخيالي الذي يصوّر تلك الأكوان الممكنة. وبما أنَّ الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، والمعلومات المستحيلة لا تصدق في أيّ كون ممكن لكونها متناقضة باستحالتها، إذن من المتوقع أيضاً أن يوجد الفن العبثي الذي يُعنَى بتصوير المتناقض والمستحيل. كل هذا يرينا نجاح معادلة الفن في التعبير عن الفنون الواقعية والخيالية والعبثية ما يمكّنها من التعبير عن تنوّع الفنون واختلافها.

 

ارتباط الفنون بالجمال والقبح

   تنجح معادلة الفن أيضاً في التعبير عن ارتباط الفنون بالجمال والقبح في آن. إن كان الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، وعلماً بأنَّ المعلومات الممكنة هي المنسجمة من جراء كونها ممكنة (فالممكن هو غير المتناقض وبذلك هو المنسجم ذاتياً) بينما المعلومات المستحيلة هي المتناقضة فغير المنسجمة لكونها مستحيلة وعلماً بأنَّ المنسجم جميل بفضل انسجامه بينما القبيح غير منسجم لاتصافه بالتناقض، إذن من المتوقع أن يُنتِج الفن الجمال والقبح في آن فتتصف بعض الفنون بإنتاج الجمال وتتصف أخرى بإنتاج القبح. من هنا، تنجح معادلة الفن في التعبير عن تنوّع الفنون بحيث تُعنَى بعض الفنون بإنتاج الجمال وتُعنَى أخرى بإنتاج القبح كالفنون التي تصوّر قبح الوجود والأفعال كقبح الوجوه والجماجم وأفعال القتل والكذب والخيانات.

   بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، والمعلومات الممكنة هي الصادقة في الأكوان الممكنة التي من ضمنها عالَمنا الواقعي الممكن بينما المعلومات المستحيلة هي غير الصادقة في أيّ كون ممكن لكونها مستحيلة، إذن من الطبيعي أن تُنتِج بعض الفنون معلومات صادقة في عالَمنا الواقعي من جراء إنتاجها للمعلومات الممكنة فتصبح بذلك مصادر للمعرفة المرتبطة بعالَمنا الواقعي كما من الطبيعي أيضاً أن لا تُنتِج فنون أخرى معارف مرتبطة بعالَمنا الواقعي من جراء إنتاجها للمعلومات المستحيلة. هكذا تنجح معادلة الفن في التعبير عن أنَّ بعض الفنون مُنتِجة للمعارف كالفن الواقعي بينما فنون أخرى لا تنتج المعرفة كبعض الفنون العبثية ما يعزِّز المقدرة التفسيرية لمعادلة الفن فصدقها.

 

القِيَم الإنسانية والأخلاقية

   كما بما أنَّ الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، ولا يوجد مجتمع بلا معلومات فالمجتمعات تُبنَى على ضوء معلوماتها، إذن لا يخلو مجتمع من فنون منتجة للمعلومات. هكذا تنجح معادلة الفن في التعبير عن لماذا لا يوجد مجتمع بلا فنون. فالفنون منتجة للمعلومات ولا مجتمعات بلا معلومات وبذلك لا مجتمعات بلا فنون. من هنا، تكتسب معادلة الفن فضيلة تفسير لماذا لا توجد مجتمعات بلا فنون.

   أما القِيَم الإنسانية والأخلاقية كقِيَم الحرية والعدالة والمحبة فهي معلومات ممكنة (لكونها تتضمن معلومات منسجمة عما يجب أن يتحقق أخلاقياً). وبذلك الفن على أنه إنتاج معلومات ممكنة يتضمن الفن على أنه إنتاج للقِيَم. هكذا أيضاً تنجح معادلة الفن في التعبير عن أنَّ بعض الفنون مُنتِجة للقِيَم بانتاجها للمعلومات الممكنة الحاوية على القِيَم بينما فنون أخرى قد تُنتِج نقيض القِيَم بانتاجها للمعلومات المستحيلة التي تحتِّم انهيار الحضارات من جراء تناقضها كالمعلومة الكاذبة بأنَّ الحروب تبني المجتمعات بينما في الحقيقة الحروب نقيض أيّ بناء.

   إن كان الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، والمجتمعات تُبنَى على ضوء المعلومات فتتطوّر بتطوّر معلوماتها وتتخلّف بتخلّف معلوماتها، فحينئذٍ تُبنَى المجتمعات على ضوء فنونها فتتطوّر بتطوّر فنونها وتتخلّف بتخلّف فنونها. هكذا تنجح معادلة الفن في التعبير عن تطوّر المجتمعات بتطوّر فنونها وتخلّف المجتمعات بتخلّف فنونها. وبذلك تكتسب معادلة الفن هذه الفضيلة التعبيرية ما يعزِّز مقبوليتها.

   تنجح معادلة الفن أيضاً في التعبير عن لماذا توجد الفنون. فبما أنَّ الفن = إنتاج المعلومات الممكنة × إنتاج المعلومات المستحيلة، ويستحيل أن يحيا الإنسان بلا معلومات على أساسها يتصرّف ويحيا، إذن من المستحيل أن يحيا الإنسان بلا فنون. لذلك توجد الفنون وتنشأ فالفنون آليات بناء حياة الإنسان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *