أن تكون وحيدًا

Views: 1017

د. جان توما

صعد الشاب إلى مسرح  The X Factor مضطربًا قلقًا. حاولت لجنة التحكيم تهدئة أعصابه بإعطائه ثقة اعتادوا بحكم موقعهم أن ينجحوا فيها.

غنّى الشاب وسط انهمار دموعه دون أن يعرف أحد من عشرات المشاهدين سبب بكائه، إلّا أنّ هذا البكاء لم يمنعه من إبراز قدراته الصوتيّة فأبدع ونال موافقة الحكام الأربعة للتأهّل إلى التصفيات.

لكنّ هذا النّجاح والعبور إلى المرحلة الآتية لم يوقف نهر الدموع، ما دفع اللجنة إلى سؤاله عن سبب هذا الدّمع المدرار؟ أجاب الشاب:” منذ سنّ الخامسة عشرة وأنا أعيش وحيدًا” ما دفع بلجنة الحكم إلى صعود المسرح لمعانقة المرذول المرمي منذ يفاعته في عين تكاليف الحياة.

كيف اختصر الشاب حكايته بكلمة واحدة: “وحيدًا”؟. ما هذه الوحدة القاتلة؟ يقول نيتشه: ” ما أصعب الوحدة بين اثنين”، قد يعيشان معًا لكنّهما كجدارين باردين تزداد وحدتهما وجعًا وألمًا. لقد عبّر الشاب بجرح عن حاله المتوترة. إذ من كان له في وجعه وجوعه؟ من سأل عنه؟ من ناوله كسرة خبز أو كوب ماء؟ من مدّ على جسده العاري شالًا يقيه برد العمر ويعطيه دفئا يردّ عنه صقيع الزمن البائس؟.

هذا الوحيد صعد وحيدًا إلى خشبة المسرح، وفجأة عبر درب الإبداع فلقي عشرات المشجعين والمصفّقين والعطف والحبّ والتقدير، فكيف لا ينهار كما تنهار الصخور حين يتفجّر فجأة تجمّع الماء شلالًا من تحت ومن فوق؟.

السؤال الكبير الذي كنّا نبحث فيه : هل يلتقي الإبداع والاقتصاد؟ هل كان ليبدع جبران خليل جبران لو لم يهاجر إلى أميركا؟ هل كان العمالقة برزوا لولا قدراتهم المالية أو وجود من رعاهم وأيّدهم وصقل مواهبهم؟

صاحبنا الشاب الوحيد كانت واسطته هذه “الوحدة” القاتلة التي أحيته يوم اعتلى المسرح فكانت له الحياة. لعلّ مقولة : “إن الحياة مسرح” تنطبق هنا في مشهديتها. الوحدة لا تعالج إلّا بالحبّ وفق المعادلة الذهبية: ” الحياة هي أن تُحِبّ وتُحَبّ”. الويل لمن يطلب رقم حبيبته دون ردّ، أو يصير صوت القلب بلا صدى، وتقصر العين عن رؤية المدى في مناجاة “حدا” وما في “حدا”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *