حكمت فريد البعيني: الأكثر سعادة هم الذين يعيشون في كنف وطن يحترم حقوقهم
أمل ناصر
رغم الثورة التكنولوجية وتطور العصر وتوافر الإمكانات التي تسهل الحياة، يفتقد الإنسان اليوم إلى الحافز الأقوى للحياة، السعادة. يبحث عنها فلا يجدها، ربما لأنه يخطئ في وجهته ولا يرى امامه أمورًا، قد تكون صغيرة، تشكل مفتاح ولوجه عالم السعادة.
حكمت فريد البعيني، كرس فكره وقلمه واهتمامه ليعبد طريق السعادة أمام الناس، من دون فلسفة أو تعقيد، معتمدًا أسلوبًا يمكن لكل الفئات أن تمشي على هديه… مدير العلاقات العامة والرئيس التنفيذي للسعادة والإيجابية في جامعة دبي، ترجم حكمت فريد البعيني رؤيته للسعادة في كتابه “في ما يتعدى السعادة” الذي يندرج ضمن سلسلة مؤلفات له، فضلا عن إلقاء محاضرات ومشاركة في ندوات يتحدث فيها عن مفهومه للسعادة آخرها محاضرة له في الإذاعة اللبنانية.

السعادة وهم أم حقيقة ولو كانت…
السعادة ليست وهمًا على الإطلاق. فنحن نشعر بها ونعيش مراحلها ونبني مداميكها من خلال افعالنا الإيجابية المتراكمة. إنها حقيقة مبنية على مجموعة من الظروف الموضوعية والمادية التي نعيشها ومجموعة من القيم الأخلاقية والإنسانية التي نعتمدها. السعادة كالطير الجميل لا يمكن أن تحلق الا بجناحيها المادي والمعنوي. والجناح المادي هو عبارة عن امكانيات وموارد مادية تؤمن للإنسان الحد الأدنى من العيش الكريم بما فيه المدخول المالي والمسكن والمأكل والقدرة على التحرك والاتصال والتواصل.
أما الجناح المعنوي فهو عبارة عن علاقات اجتماعية وامكانيات ثقافية واستقامة مهنية وأخلاق حسنة تساهم في وضع صاحبها على سكة السعادة. ومن دون هذين الجناحين لا يمكن للإنسان أن يسعد في حياته. (https://hydeparkrecords.com/) فمن لا يؤمن الحد الأدنى من العيش الكريم له ولعائلته لن يطير في سماء السعادة. ومن لا يتمتع بالأخلاق الحسنة والعلاقات الاجتماعية الطيبة لن يحلق في فضاء السعادة.

حقيقة أين نجدها؟
لقد شرحت في ندواتي المتعددة والتي أقدمها في المدارس والجامعات والمصارف والمراكز الصحية والمؤسسات الحكومية أن تحقيق السعادة هو عمل شاق وصعب. هو جهاد يومي من أجل حياة افضل. هو حسن إدارة لحياتنا الشخصية والعائلية والمهنية والمالية وغيرها.
من خلال ندواتك في المدارس والمؤسسات لتنشر مفهوم السعادة بين دبي وبيروت… هل ترى اننا نعرف كيف نعيش السعادة ؟ وهل الوصول اليها يحتاج الى عناء؟
أجمل الندوات هي الندوات التي اجريها في المدارس والجامعات والتي تهدف الى زرع بذور الإيجابية في صفوف التلامذة والطلبة، ونشر مفاهيم السعادة المبنية على العمل والجهد والمحبة والتسامح في الحياة الخاصة ومحاربة الفساد والجريمة والإدمان في الحياة العامة. انه واجب وطني وانساني ان نزرع في قلوب صغارنا وشبابنا بذور الإيجابية والمحبة والتسامح والقناعة والعطاء والخير والتي من خلالها تنمو شجرة السعادة داخل كيانهم الفردي والعائلي والوطني.
أما في الشركات والمؤسسات الحكومية فأركز في محاضراتي على أهمية الإيجابية في التعامل مع الزملاء والمدراء والعملاء. فمن دون إيجابية كأسلوب تفكير تنتشر النزاعات بين الموظفين وتسوء العلاقات بين المسؤولين وتتراجع الإنتاجية في العمل.
لديك مؤلفات كثيرة آخرها كتاب “في ما يتعدى السعادة” حدثنا عن هذا المؤلف وعن الجناحين المادي والمعنوي لتحقيق السعادة..
في كتابي الأخير “في ما يتعدى السعادة” ركزت على مواضيع متعددة لها علاقة بالسعادة كالصبر والقناعة والمحبة وإسعاد الآخرين – وهذه مواضيع مألوفة في عالم السعادة. غير أنني أيضا ركزت على مواضيع أخرى غير مألوفة وشرحت وجهة نظري الخاصة حول علاقة السعادة بالنرجسية والرذيلة والفساد والغرور وغيرها من القضايا. لكنني افتتحت صفحات الكتاب بفقرة مهمة اسميتها “حقي أولاً” شرحت فيها وجهة نظري حول علاقة السعادة بحقوق الإنسان. فكتبت “الطفولة لها حقوق والمراهقة لها حقوق والزواج والعمل والاستشفاء والشيخوخة أيضا.
كل شيء في حياتي كان ولا يزال مرتبطاً بحقوقي المدنية والاقتصادية والسياسية وغيرها. من دونها – أي من دون تلك الحقوق – يصبح حديثي عن السعادة ملهاة مبرمجة ومضيعة وقت استغلها في هذا الكتاب كما استغلها من قبلي العديد من الكتاب والمؤلفين الذين يعملون لحساب أصحاب المال والسلطة ومراكز القرار والمتسلطين على حقوق الآخرين.
سأدافع في هذا الكتاب عن حقي اولاً لانني أؤمن ان الأكثر سعادة هم الذين يعيشون في كنف عائلة تحترم حقوقهم ويعملون في مؤسسات تحترم حقوقهم ويعيشون في وطن يحترم حقوقهم. هذا رأيي.”
وفي هذا الكتاب تكلمت عن ثلاثة أنواع من العلاجات التي تساهم في التخلص من السلبية واستبدالها بالإيجابية. وتمحورت تلك العلاجات حول 1- المعرفة الذاتية و2- التركيز الفكري و3- العصف الذهني. وشجعت القارئ على القراءة والكتابة والبحث والتحليل لأن من يقرأ أكثر يسعد أكثر.
الى اي مدى تنتقل السعادة وراثيًا؟
رغم تأثير الوراثة على السعادة، فان الإنسان قادر على تحفيز هرمونات السعادة كالدوبامين والسيروتانين والاوكسيتوسين والاندورفين وغيرها. كل ذلك ممكن من خلال اعتماد أسلوب حياة إيجابي وممارسات ذهنية راقية ونشاطات جسدية مناسبة.
أما حبنا للناس وتسامحنا ومساعدتنا للمحتاج والفقير فيساهم الى حد كبير في تحقيق جزء من السعادة. وهذه الأعمال الطيبة تنتشر في المجتمع كما تنتشر الفيروسات والبكتيريا المُعدية بين الناس. وهناك قول يعبر عن هذه الحالة مفاده ان “من يعاشر السعيد يسعد ومن يعاشر التعيس يتعس”. ويتأثر الإنسان عادة بتصرفات وعادات الأشخاص من حوله. فإذا كان محاطاً بسعداء وإيجابيين يتعرض لفيروس السعادة الذي يخترق حرمة دماغة ويقتل بكتيريا الكآبة والحزن فيه. كما تساعد الأحداث السعيدة والتصرفات الإيجابية من حوله على تكاثر فيروسات السعادة في خلايا دماغه الحية، فتنتشر وتسيطر وتنتصر.
بوركت جهودك استاذ حكمت البعيني في خدمة العلم والادب على أمل ان نلتقي معك مجددا في حديث شيق آخر ..