جريدة..

Views: 613

د. جان توما

 تقرأني جريدتي كلّ يوم، تقرأ عناويني وما ورد في الافتتاحية. تسدّد سطورها بصرها على ملامحي، أشيح بعينّي عن المواجهة كي لا يفضحني خجلي. تقتحم الجريدة مخّي، تقرأ أفكاري، توضب آرائي، تجهّز النصّ للطباعة، تنشره في عمود، تقول كلمتي وأمشي.

ما هذه الجريدة الني انفلشُ أمامها، تتغلغل في شراييني، يسيل حبرها دمًا في أوردتي، تنكّش، تقمّش، تفتّش، تبحث عنّي فلا تجدني وأنا في حضرتها، في مواجهتها.

غريب كيف تنجح في جعلي شيئًا من نصّها، تعلّبني، تكبسلني، أصير متقبّلًا لكلّ ما ترميه في سهولي وبساتيني، يتحوّل تراب فكري إلى مشتل لما زرعته، تتحلّل حريتي سمادًا وقليلًا من الحبوب المقوّية.

استعيد حريتي حين أغلق صفحات الجريدة، أدربس أبوابها، أرمي مفتاحها في البحر، لكنّ حورية الحرف تعيده لي مالحًا كي تصير كلمات الجرائد شيئا طيًبا وكلمة السواء. لعلّها متى حضرت أعمدتها الصحفية أبني عليها وأرمم قيامتي.

تصير الصحيفة إن قرأتها حرًا حجرَ قبرِ قيامةٍ مُدَحْرَجًا لتقتبس النور كالقارىء الذكي بين السطور . الخوف من حضور الجريدة أن تصير السور الذي لا تستطيع القفز فوقه. وحدها عضلات فكرك تجعلك قادرًا على القفز فوق الأفكار المسبوكة الجاهزة المعدّة بإتقان. تشمّ رائحة الحبر على ورقها المشبع بندى الخبريات فتصير من ليالي المفكّرين الحالمين بالتغيير أو المؤمنين بأنّ الجديد آت.

تدخل الجريدة أرشيف عقلك وخزائن روحك ودفائن مشاعرك فترى ألف شبيه لها، وتقرأ الأخبار نفسها والهموم ذاتها فتؤمن ان الخبر ذاته، كما الحب، عبر الزمان ولكن باختلاف الوجوه.

أي وجه يشيلني من زوبعة حضور الجريدة بين يدي صباحًا؟ هات غطاء المحبرة نقفلها، لكن العجيبة في الكتابة أنّ أصابعك ترشح من ماء عقلك وندى قلبك وسماء عِلْمك.

ضبّ الجريدة وتعال اقرأ في فنجان قهوة الحياة لتحيا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *