قصص قصيرة… أخفاها الزمن

Views: 849

محمد إقبال حرب

 

مساء الخير

مساء طائر الفينيق العائد من البعد الآخر بحكايا أخفاها الزمن فاستلهمت منها بعض القصص التي سأقرأ منها عليكم قصصاً قصيرة جداً وقصتين قصيرتين

***

شُكر

نقر العصفور كوز التين وغرَّد لله شاكراً

رأى ابن آدم كوز التين مشوهاً…. فرماه ولعن.

***

  خيوط العنكبوت

سجادة شرقية نسجها حائكٌ مغمور… 
لم يصلّ عليها أحد منذ أمد طويل فتزاحمت عليها خيوط العنكبوت.

***

عشق

نام معشوقاً، وصحا عاشقاً، ثم ارتحل في أحضان جنية
فهل يعود… ؟

***

قديس

صنعت قديساً من بشر، راحه ناعمة وقلبه حجر، ظننته خالداً … لكنه مات واندثر. ورَّث أبناءه استعباد البشر.

***

إلهة الأرض والقمر

عيناها صافيتان كقطرات الفودكا، قلبها أبيض كألفية عرق تمازجت مع صفوة الثلج النقي، شفتاها حمراوان قانيتان كخدود ابنة كرمة معتقة في خوابٍ سومرية. سارت متمايلة بين جفنات الغروب كسيقان القنب الهندي عندما تراقصها رياح الشمال الباردة. جلست على كرسي العربدة عند مصطبة الجنون فتنهدت بخور عود مقدس فوق ركوة يتأجج فيها بن مخا اليماني برحيق السهر.مدت يدها بوجل في حضرة الغريبة حتى لامست عباءة غرابتها فارتعش حنين الغجر في دم العرَّافة حتى كللهما طقس من الايمان الموعود.

سارتا عبر عتبات التجلي حتى استقر المحاق بينهما فأمسكت كل منهما قرناً. وما زالتا تتصارعان حتى سقط من العياء متدحرجاً إلى حضن صاحبة الأحاجي فالتقفته غادة الجمال ودسته بين نهديها ثم اطبقت كفيها على بوابة الاغراء متنهدة بجنون توردت منه أنثاها.

جحظت عينا الغريبة وخلعت عباءة سترها وسجدت قائلة:

تقبلي جمالي سيدة النهدين المقدسين أضحية على مذبح أنوثتك.

أخذت عشتار نفساً عميقاً فنَهد صدرها وتأوَّه القمر وقالت: قبلت قربانك فأنا الآن روح الجمال المطلق.

تصفحت كفيها غجرية تتمنطق الغرابة، وتنفست من عتبات الجنون أحاجي الحاضر والمستقبل وقالت: 

ستكونينإلهة الأرض والقمر

ويعبد ثدييك البشر

سيسري سُمُّك بين المضاجع

وتهتكين نسل المراضع

سينسى ربهم البشر

ويأنسوا بين الأثد دونما ضجر

***

عَنْزَتِيِ والتيّسُ

كانت لي عنزةٌ بيضاء، اشتريتها أيام الرخاء، وهي عَنَاق رضيع. أحببت ثغاؤها الذي كانت تردده دون كلل أو ملل بينما تتسلق الأشجار وتقفز فوق الأغصان. أما قرونها التي نبتت بلونها البني زادتها بهاءً وجمالاً فظننتها استحالت غزالاً. ألفت صحبتها والنظر إلى رقصاتها فاتخذتها رفيقاً عوضاً عن كلب ينبح أو قط يموء.

وذات يوم كنت أعمل في حقلي أرقني صوتٌ أجش لراعٍ أشعثَ أغبرَ، كث اللحية، شكله مبعثر يجر خلفه قطيع من الماعزبينما هو يصرخ ويزمجر. بادرني بصوت يسارع الغضب: يا صاحب العنزة البيضاء …يا صاحب غنزة العلوج.

قلت: ماذا تريد أيها الراعي الشريد؟

قال: اتق الله في عنزك… استرها ستر الله عليك يوم القيامة.

قلت: استر ماذا…إن هي إلا عنزة.

قال: انظر إلى مؤخرتها تغري تيسي القادم من البعيد. لئن لم تسترها يوم غد سأقتلها درءاً للفاحشة.

قلت: ولكن عنزك كله مكشوف.
قال: ويحك، أتقارن عنزي الذي لا يخرج أبداً إلا برفقة تيسه مع عنزتك الوحيدة التي ليس لها تيس يحميها.

قلت: فعلاً لعنزك تيسان يزودان عنهم شر التيوس الغريبة.

استشاط غضباً وضربني بعصاه مهدداً متوعداً أن يقتلني إن لم أستر مؤخرة عنزتي البيضاء.

سترتها خوفا من بطشه وذهبت إلى عملي في اليوم التالي آمناً شر ذاك الأشعث. وعند الظهيرة بينما كنت مستلقياً بغية الراحة، أرقب عنزتي تقفز حولي وثغاءها يطرب مشاعري إذ برجل الأمس هاجم كالذئب يزبد ويقول: أَسكِتها، أَسكِتها لقد أثارت مشاعر تَـيسي وتيوس الرعيان الآخرين… اتق الله… اسكِتها قبل أناسْكِتكما.

قلت: إنه ثغاء وليس وباء يا هذا.

قال: عندما يكون الثغاء من عنزة شقراء سيصبح وباء يثير تيسي إلى ما لا تحمد عقباه. بالله عليك لو كنت مكانه ماذا تفعل؟

استغربت سؤاله وتجاهلت الإجابة وقلت: عليك بتأديبه وغض بصره عن عنز الأغراب.

أجاب بصوت نافر وقد استشاط غيظاً حتى ظننته هو التيس الثائر على عنزتي: ألا تفهم بأن عنزتك من بلاد العلوج والانقضاض عليها يجوز كما قال شيخ الرعيان. لا تجادلني واغرب عن وجهي.

وضعت رباطاً حول فمها، وكلي خوف من هذا اللعين الذي عاد مسرعاً ليقول: ألا تراعي مشاعرنا حتى تقتني عنزاً لها قرون، عنز تتشبه بالتيوس. ثم تابع قائلاً: هذه العنزة شاذة، شاذة سأقتلها غداً…. لا بل سأضعها مع تيسي في زريبة منفردة.
ضاقت بي السبل وتسلل الخوف إلى أعماقي فقررت الرحيل قبل أن يعود مع تيسه الموعود فصحوت باكراً كي أنفذ بجلدي وعنزتي. أردت أن أرتوي بكوب من الحليب قبل الشروع في السفر فجلست قرب عنزتي أحلبها كي أنتشي بكوب طازج.

وفجأة قفز إلى جانبي لعين الرعيان وهو يقول: ما عنزتك هذه إلا فتنة تسحرك حتى تلامس ضرعها بحجة حلبها، سأقيم عليكما الحد قبل أن يأثم تيسي.

قلت يا هذا لما لا تخصي تيسك، بل وتخصي نفسك أيضاً حتى لا تتحملا وزر ماعز غريب.

أمسك بعنزتي كعاشق ملهوف وهو يهددني بنبُّوته فهربت منه كخروف جبان ألعن العنز والرعيان.

***

(*) ألقيت في الأمسية القصصية الموسيقية “عودة طائر الفينيق” التي شارك فيها الأدباء: سمية تكجي، محمد إقبال حرب، مشلين بطرس، قراءة نقدية للدكتورة درّية فرحات، الموسيقى مع العازف أمير عيسى، قدمتها  الإعلامية منال الربيعي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *