قصص قصيرة جدًا

Views: 1076

مشلين بطرس

 

عطية … بخيل

عدّ غنيٌ شرائح اللحم المتراصفة على مائدة قلبه

مليون إثنان … عشرةُ ملايين

طالبه فقيرٌ متوسلاً القليل من ذاك اللحم، علّه يتلذذ برائحة الشواء ..

ثمنٌ لشيء ما يُخرج الفقير تلك الشريحة من جيبه …

فجأةً ترتسم بداخلها عينٌ تشعُّ منها شرارة حمراء تشوي اللوحيمة، وتفوح رائحة الشواء.

***

 

المنشار

نبتتْ شجرةٌ على رأس حكيم، وتفرعت أغصانها وامتدتْ إلى شوارعَ مظلمة، ففتحت نوافذ نور في رؤوس مغلقة.

تدّفق عرها في تلافيف العقول، وتلاشت عنها عفونة القبور. أيقظَ حفيفُ أوراقها الناس من سباتهم، فاضطربت قلوبُ بعضهم من ضجيج الوسواس الخناس.

شُدَّ حكيم من شعر رأسه، وكالشاة قيد إلى غرفة معتمة، مكممَ الفم مضرّجًا بالدّم ……

أُطلق حكيم للحرية من جديد، في رأسه جذعٌ صغير يتدلى منه منشارٌ كبير.

***

 

إعادةُ …. نظر

مات القرّد والإنسان، وكان الحساب …

صعدا إلى البرزخ، فارتعد الشيطان خوفًا من وحشية الإنسان، وأمر أعوانه بإلقائه خارجًا …

اقترب من القرّد قائلاً: أما أنت فلتذهب إلى الجنة فورًا، ولتخبر داروين أن يعيد النظر!!

***

 

 

تبادلٌ يبدد المستحيل

(قصة قصيرة)

وحيدة أجلسُ في شرفتي التي تطلّ على شارع مكتظ بمارّةٍ يبددون أعباء غيوم راكمتها على عاتقهم همومُ الحياة …

نسمة صيف عابرة تقلّب صفحات الكتاب بين يدي، فيقع نظري على صفحة عنوانها فيض محبة، أقرأ فيها قصة أمٍ تحتضن ابنتها التي تجلس بحبور تُرضع طفلاً هو حفيدها، وأخو ابنتها، إنه طفلها الذي وهبته لفلذة كبدها العاقر …

ركلاتٌ ومخاض ولادةٍ تصدر من أحشاء الكتاب ليتجسد أمامي ابن عربي قائلاً:

– وتحسب أنك جرم صغيرٌ .. وفيك انطوى العالم الأكبر

يلحق به جلال الدين الرومي ملقيًا التحية قائلاً:

– صدقتَ أيها الفيلسوف، فلا تحزن لأن أي شيء تفقده سيعود إليك بهيئة أخرى

أرحب بهما وأدعوهما للجلوس قائلة:

– السلام لروحيكما أيها العظيمان، وشكرًا لمجيئكما المباغت، فالنور الكامن فينا لا يحتاج إلى غواصة لأنه يطفو على سطح تلامس وجهه أنامل الشمس والحياة، فلنكن عميقين أعمق من عمق المحيطات حتى نراه ويلمسه الآخرون فينا

تأتي فرجينيا وولف على عجلٍ ودون أن تلقي التحية تغلق روايتها “غرفةٌ تخصّ المرء وحده” مشيرة إلى أسفل البناء …

يصلني صوت نداء من جارتيّ التوأم، فتقطعان تأملاتي وتصعدان لتشاركاني وحدتي على صوت قرقعة نرجيلةٍ اشتعل جمرها للتو في حالة مذهلة من مضاعفة الذات، فقد اقترحت عليّ الطبيعة شكلاً استباقيًا من الاستنساخ، على شكل توأمية أحلّت علينا لعنة التأنيب الأبدي للفردية ….

طبولٌ وزمامير سيارات مزينة، رقصٌ وهرج ومرج، وعروسٌ تتمايل بزهو على أقمشة حمراء فُرشت على وقع أغنية  “زفوا العروس”

تخرج جارتيّ من عندي وقد انتهى وقت الزيارة، ألملم رماد وحدتي، أحملُ كتبي وأدخل بها إلى غرفتي، لكن ألحان ناي من بعيد تعيدني إلى الشرفة، أضع الكتب متلهفة أستطلع مصدر الصوت …

يعلو فجأة صوت فيروز من مسجلة سيارة بأغنية أعطني النايا وغنِ …. ويفترش البائع ناياته عارضًا إياها للبيع مرددًا: إنما الناس سطور كُتبت لكن بماء

أهمُّ بالنزول إليه، فترتطم بي باقة الزهور التي رمتها العروس عاليًا، احتضنها وكأنها طفل صغيرٌ ولد للتو …

أنثر أورقها وردة وردة فليتقطها جبران خليل جبران ليهديها إلى وردة الهاني قائلاً:

– ليتني طفلٌ لا يكبر أبدًا فلا أنافق ولا أراهن ولا أكره أحدًا

أغلق كتاب التبادل المستحيل لجان بودريار، وأدخل إلى غرفتي، أجلس إلى طاولتي وأبدأ بكتابة قصةٍ جديدة …

****

(*) ألقيت في الأمسية القصصية الموسيقية “عودة طائر الفينيق” في بلدية سن الفيل.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *