أفرحني أنني الأخير

Views: 6

د. جميل الدويهي

ليس غريباً أن أكون الأخير، ولا أعرف لماذا الناس يستغربون؟

القيادة لا تعنيني، والألقاب أيضاً، وعندي منها العشرات، لكن تعنيني الزمالة والرسالة في عالم الأدب، وأشعر مع الآخرين أنّنا أسرة واحدة، أما لو كنت القائد أو المتقدم على غيري، لفقدت الأشياء قيمتها، وأصبحت المناسبات الحلوة ساحة للتسابق.

هكذا في لبنان، وفي كل الفعاليات التي شاركنا بها، وبعضها لم يكن على جدول أعمالنا، كانت الأجواء راقية، مفعمة بالعطاء من أجل العطاء. المحبة تقدم ذاتها، ولا تطلب شيئاً لنفسها. وغبطتي كبيرة وأنا أنظر إلى مجموعة من الأدباء والشعراء الذين تعبوا وتحملوا مشقات السفر، وهم ينشدون تراتيل قدسية، والناس يسمعون. كبر قلبي بهم. عدت طفلاً صغيراً وشغوفاً بالأغنية الفيروزية تصدح على شفاه متعبة. تنقلوا بين المناطق، تساعدوا، حمل أحدهم الآخر، أمنوا التنقل بطريقة سحرية. كنت مشغول البال عليهم، أخاف أن يقع حادث ما. أعدّهم واحداً واحداً كأنهم إخوتي. افتقدت من لم يستطيعوا السفر، وحزنت لأنني كنت أريدهم جميعاً إلى جانبي، يشعرونني بالأخوة التي تجمعنا وتوحدنا. كنت أصغي إلى نبضات قلوبهم، أراقب فرحهم، وابتساماتهم. صعدوا إلى المسارح أمراء ونزلوا عنها ملوكاً. (https://bobbergdesigns.com/) السعادة تغمرهم، لا حسد ولا بغضاء. الكل أخذ مكانه بترتيب وأناقة. أحب هذه الأجواء. وهي من تقاليدي في أفكار اغترابية.

في إحدى الأمسيات قلت: اسمحوا لي، احتراماً للسيدات اللواتي جئنَ معي، أن لا أقول شعراً إلا من بعدهنّ. وكنت الاخير. كنت الأمير بفرحي لهنّ، ولا أبغي إمارة أخرى. أما الزيارة إلى لبنان، فليس لي حكم عليها، وأترك للمراقبين أن يحكموا. كانت في نظري ناجحة ولا تشوبها شائبة، ومن النادر أن يشارك المرء في هذا الكم الهائل من المناسبات من غير أن يقع على مساوئ. ليخبرني أحد عن مشكلة واحدة. الله كان معنا. الإعلام في لبنان أنصفنا بشكل عام، وهناك أصدقاء بذلوا جهوداً جبارة لمواكبتنا…

وماذا بعد الزيارة؟ هل نحضر لمشروع آخر؟ وهل أفكار اغترابية تعوّد أن يهدا أو يرضخ إلا لما يؤمن به؟ هل أفكار اغترابية يلتزم الصمت عندما يصمت البعض عن إنجازاته؟ المشاريع كثيرة، والانتظار لن يطول. فإلى لقاء لا ينقطع، ونحن هنا لتحطيم العثرات، والترفع عن الصغائر، وتحقيق الأحلام.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *