صفحات مطوية من الأمس القريب والبعيد… ميشال أبو جودة ورضى الله عليه ورضى “أم داود”

Views: 1148

حبيب شلوق

صادف الثلثاء17 أيلول 2019 الذكرى السنوية السابعة والعشرين لوفاة الصحافي الكبير الرئيس السابق لتحرير جريدة “النهار” ميشال أبو جودة، الكاتب الذي شغل العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، موقظاً الملوك والأمراء العرب ورؤساء الجمهوريات كل صباح، ليقرأوا وهم يشربون فنجان القهوة، ماذا يقول ميشال أبو جودة فينا وعنا وماذا “يتنبأ”.

أتذكّـــر أستاذي ميشال أبوجودة اليوم ، أنا الذي حظيت بمرافقته ــ باختــيار منــه ـــ في جولات أحاديث طوال سنتين، (شملت رؤساء وزعماء لبنانيين،ورافق إسمي إسمه تحت كل حديث خلال 1992 و1993 ) بعبارة “حاوره ميشال أبوجودة وحبيب شلوق”، وأحنّ إلى الماضي الذهب الذي ذهب، والدمعة في مقل صحافيين كبار ومخضرمين على ما آلت اليه الصحافة في لبنان، هذه المهنة الرسالة التي زرعها صحافيون لبنانيون في معظم الدول العربية وفي المغتربات، ومنهم غرفت تلك الدول المعرفة وعليهم تتلمذ صحافيوها.

وميشال أبو جودة الذي حذّر من الحرب في لبنان قبل حصولها في مقال له في “نهار” 12 أيلول 1974 شرح فيه كل تفاصيلها ونتائجها وانعكاساتها، وكيف أن أمبراطوريات “ستكنّس كنساً” وأن تغييراً كاملاً ستشهده المنطقة، ورأى قبل غيره تفجر الدول العربية وتقويض أكثر من بنيان،راسماً تحالفات جديدة محذراً من تصفيات وإغتيالات تطاول “كل مَن يعرف”. وهو مقال كتبه بعد تعرضه للخطف في 3 تموز 1974 وتدخل رؤساء لإطلاقه، وكان لتدخل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات دور كبير في إطلاقه بعدما كان وصل في ساعات قليلة الحدود الشرقية. حتى إذا ما أُطلق فـُتح أوتوستراد جونية الذي قطعه أهالي المنطقة في جل الديب وعاد ميشال أبو جودة إلى منزله في الزلقا ليكتب في اليوم التالي:” ماذا فعلت؟ لقد بقيت حياً”.

حبيب شلوق

***

وروى لي أستاذ ميشال مرة وكنت أجلس إلى جانبه مع والدته المرحومة “أم داود” التي كانت كل يوم ترسم إشارة الصليب نحوه قائلة “الله يرضى عليك”، كيف أن أحد المسؤولين الكبار اتصل به بعد إطلاقه وهنأه بالسلامة وطلب منه أن يعطيه “أم داود” لتهنئتها، فما كان منها إلاّ أن بادرته:” شو خطفتوه وردّيتوه”؟ وهي طبعاً لا تقصده شخصياً.

و”أم داود” كانت في قمة الذكاء وسرعة البديهة وفي الوقت نفسه كانت نقطة ضعف ميشال أبو جودة الذي كان يجلس قربها ساعات مصغياً ومستمتعاً بكلامها ونصائحها، حتى يقال أنه توفي مرتين الأولى عندما ماتت والدته، والثانية يوم وفاته في 17 أيلول 1992 .

وتنوعت مقالات ميشال أبو جوده بين الشأنين السياسي الداخلي والخارجي، وكان متجلياً في الشأنين . وإذا كان خطف لمقالاته التي بدا عارفاً كثيراً فيها، فقد تعرض لتهديدات شتى واعتداءات أحدها في عهد الرئيس فؤاد شهاب بعد اغتيال النائب والوزير نعيم مغبغب في معاصر الشوف وهو في طريقه إلى بيت الدين ، وكان زعيماً محسوباً على الرئيس كميل شمعون خصم الرئيس فؤاد شهاب فكتب أبو جوده مقالاً عنوانه “في حمى الأمير”، وهو مقال كلفه طعنة تحذيرية بموسى حلاقة.

ميشال أبو جودة الذي تحدث مرة عن الوفاء وأورد في أحد مقالاته قولاً للزعيم السوفياتي جوزف ستالين عندما برّر إعدامه الضباط القريبين منه بعد نجاح الثورة السوفياتية بقوله “الوفاء مرض يصيب الكلاب”، وكـَم كثـُر هذا المرض في عصرنا، كان منتقداً جداً في كتاباته لعهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان معجباً كثيراً على رغم ذلك بكتاباته المعارضة للناصرية وينتظر كل يوم صدور “النهار” ليقرأ ميشال وليعرف “شو كاتب عنّا”، ومثله كان الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي سأل وزراءه يوماً خلال انعقاد مجلس الوزراء وكان ميشال أبو جودة كتب مقالاً مهماً جداً عن مصر ورئيسها: هل قرأتم ميشال أبوجودة؟ وهل تعرفونه؟” ولما خيّم عليهم صمت مطبق بادرهم:” إن مقالاته تثبت أنه يعرفني أكثر منكم”.

ميشال أبوجوده الصحافي شاغل لبنان والمنطقة والعالم منذ بدء عمله محرراً في “النهار” عام 1951 وكتاباته باسم “عشتار” و”قدموس”، إلى تعيينه رئيساً للتحرير وكتابة زاويته “من حقيبة النهار” ، وكانت تصدر سبعة أيام في الأسبوع وتحتجب الإثنين لتصدر إفتتاحية الأستاذ غسان تويني وصولاً إلى احتجاب “النهار” يوم الأحد لتصبح الزاوية ستة أيام بدل السبع، يومها في الأول من كانون الثاني 1988 ، كتب ميشال أبوجودة مقاله الشهير “وداعاً العمود السادس”، وهي مقالة اقترحت شخصياً نشرها غداة وفاته بعدما كان استاذ غسان تويني واستاذ فرنسوا عقل ترك الزاوية بيضاء في هذا العدد.

ميشال أبو جودة أستاذي وصديقي … رحمك الله. من رضى الله عليك أنك لم تشهد أفول الصحافة وتيتــّمها.

***

(*) المرصد.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *