لنتذكّر عميد الكتائب الياس ربابي…آخر العمالقة في الخطابة والصحافة والأدب
إيلي معوشي
الياس ربابي خطيبًا
لُقّبَ ب”ميرابو” لبنان…
تزهو المنابر وتُزهر حينما يعتليها…
ينتظره الجمهور انتظار الأرض العطشى للمطر…
صوتٌ جَهوريّ، يرتجل خُطبةً
تُجاوز الساعة، فلا يتلعثم ولا يُلحن
ولا يبلّ ريقه بقطرة ماء…
في كتب الأدب، يبرز
خطيبان في الشرق العربي:
سعد زغلول في مصر،
والياس ربابي في لبنان.
* * *
الياس ربابي صحافيًّا:
في مقابلة أجرتها نازك باسيلا مع الياس ربابي،
في جريدة “الأنوار”، الخميس 26 كانون الثاني 1978،
سألته: “أنت خطيب، أم أديب، أم سياسي،
أم دبلوماسي، أم صحافي؟”
أجاب:” أَحَبُّ الصفات إليَّ أن أكون صحافيًّا..
وكان هذا هو جواب شاتوبريان
الكاتب الفرنسي الكبير، عندما
وقف في المحكمة، ذات يوم،
فسأله القاضي: ما اسمك؟
أجاب: فرنسوا رينيه فيكونت دي شاتوبريان.
ثمّ سأله القاضي: مهنتك؟
نسي شاتوبريان أنّه وزير سابق وسفير سابق
وأحد أكبر كتّاب زمانه
وأجاب: أنا صحافيّ!
ويروي تاريخ نابوليون أنّه في منفاه،
في جزيرة القديسة هيلانه، ما كان، أمام
جلاَّسه وبقية مَن تبقّى له من أوفياء،
يتباهى بانتصاراته العسكريّة المذهلة،
ولا بزرعه الهَول في قلوب
ملوك وأمراء وقادة أوروبا،
بقدر ما كان يتباهى بمقالاته
في صحيفة :” Le Moniteur”.
الياس ربابي الصحافي
جرأة لا مثيل لها لا يتملّق أحدًا ولا يتزلّف إلى أحد.
كلمته أمضى من سيف:
تدكّ عروشًا، تكشف عورات حُكّام ومسؤولين،
وتهاجم المحسوبيّات في الدولة اللبنانية…
ما جَرؤ قلمٌ على أن يُقاوم الفاسدين والمُفسدين في لبنان ــــــ
منذ نشأة الكتائب في الثلاثينات من القرن الماضي حتى التسعينات ــــــ
مثلما فَعل قلم الياس ربابي على الورق،
ومثلما علا صوته على المنبر….
* * *
الياس ربابي أديبًا:
سيّد الأدب الراقي
قلمه مغمّسٌ في حِبر القلب يسيل على الورق
مُحَمّلاً كلماتٍ مَغسولةً الضوء…
كتابه “رأيت” يحتلّ المقام الأوّل في مهرجان الأدب
لِما فيه من جَزالة في الألفاظ، ورشاقة في الأسلوب،
وشففيّة يعزّ نظيرها، وابتكارات قلَّ مَن يأي مثلها…
* * *
الياس ربابي هو آخر عمالقة القرن العشرين.
رحل في كانون الأوّل 1999.
وفي رحيله، انطوت صفحة ذهبية في تاريخ
الخطابة والصحافة والأدب…
