موسى زغيب… تاريخ شعب ووطن

Views: 165

كرم منتدى “مرايا الحرف” في قاعة رعية مار جرجس – الحدث بشخص مؤسسته الشاعرة ميريام بستاني الشاعر موسى زغيب…وتحدث على التوالي كل من الشعراء والشاعرات: ندى بو حيدر طربيه؛ وليم حسواني؛ الياس زغيب وإنعام اﻷشقر. قدمت لهم الشاعرة إيزابيل زغيب كسرواني.  كذلك قدم الرسام التشكيلي علي شحرور رسم بورتريه  خاص بالمحتفى به وألقت الشاعرة ميريام البستاني كلمة رحبت فيها بالحضور وشكرت المتكلمين. (https://www.collegehippo.com/)

في مناسبة  تكريم  “سيد المنابر” موسى زغيب تنشر Aleph-Lam   مقالا للأديب سليمان يوسف ابراهيم كان كتبه بعد صدور كتاب الشاعر موسى زغيب ملحمة الانتشار اللبناني.

الشاعر موسى زغيب مكرّمًا في “مرايا الحرف”

 

 

 

سليمان يوسف إبراهيم

عند كلِّ مفترق جمال يستمهلنا مُستوقفًا الشّاعر موسى زغيب، لنشاركه خمور قريضه تذوقًا في كؤوسٍ من ورق، ننتشي من نزفها شعرًا نقيَّ المنبع حتى “النّرفانا”! ومَن قال أنّه باستطاعة قارئٍ أَم سامعٍ مقاربة دنان موسى، من غير الغوص في نيرفانا الإصالة والعمق التّراثيَّين؟!

في “ملحمة الإنتشار اللّبناني” الّتي دبَّج أبياتها باللّغة المحكيّة، شعرًا لبنانيًّا من أصفى قوافي النشيد وأسلس عصير بنات الكلمة، مفتتحًا أمام بصيرة الشّعب اللّبناني خمّارة فكرٍ ولا أرحب؛ ما بين الأُسطوري والواقعي من سيرة نشوء حضارةٍ وقيام وطن لبنانيّ، عِظم نجاحات أهله جعلته قبلة حسّاد العالم وطمّاعيه!!

 حكاية وطن

لقد روى شاعرنا حكاية وطنٍ، أهداها إلى أجيال لبنان، مقيمين ومنتشرين: “بِهْدِي هَ الملحمِة بالزّجل اللّبناني/ تا تعرفوا قدَّيش وطنكن كبير وعظيم/ وقديش ساهم بخلق الحضارة الإنسانيّة/ وقدَّيش إلو فضل على العالم أجمَعْ…/ الحضارة انطلقِتْ من الحروف،/ والحرف انطلق من لبنان”.

آهٍ من غواية تاريخ هاجع، قد جعله الشّاعر بأناقة رصفه مداميك عزّةٍ، ومن سُباته إنشادًا، في الحناجر يستفيق؛ وكبيارق الطّليعة فوق الشِّفاه يرفرف متراقصًا، زهو كلمةٍ وأناقة تعبير!!

ملحمةٌ تحوي فصلين: الأوّل منهما، أُسطوريٌّ، ألبسه الشّاعر من قشيب وصفه وعمق معارفه بدقيق الوقائع لبوسًا ولا أبهى…وقد ضخّ فيه من صافي وجدانه صدق الرِّواية سلسبيلاً، وقد بناه باثني عشر نشيدٍ: إنطلاقًا من “ساحل لبنان الجنوبي”، وقوفًا بالنشيد الثّاني عشر “نحن وحضارات العالم”، وهي مرحلةٌ نضِّدت بالأحمر القاني. أمّا “المرحلة الحقيقيّة” الّتي شكّلت الفصل الثّاني من ملحمة الزُغَيبيّ الّتي نضّدها بزُرقة السّماء حُبًّا لوطنه، وأملاً متَّصلاً بسموِّ مأربٍ يصخب في وجدان مواطنيه، إنطلاقًا من “الإنتشار الفكري” مع جبرائيل الصّهيوني، مرورًا بباكورة المغتربين إلى الولايات المتّحدة طانيوس البشعلاني وسواه من كبار هذا الوطن الصغير مِساحةُ… وسوحة في العلاقات بينه وبين اللّبنانيين من البرازيل إلى الأرجنتين فالمكسيك والأقطار الأميركيّة: كالأُرغواي وكوبا وكولومبيا وفنزويلا، كما في البلدان الأفريقيّة فأُستراليا…

والكلام على الحضور اللّبناني المميّز فيها جميعًا… حتّى يحطّ الشّاعر رحال الفصل الثّاني عند تصوير الحال بيننا وبين الشرق في نشيد “نحن والعرب”، إنطلاقًا باتّجاه النّشيد الثّاني والعشرين “في خدمة الإنسانيّة”: علمًا، تشريعًا بعدلٍ ودينٍ وطبٍّ… تدفع بمجملها إلى العيش بتآخٍ من غير تفريقٍ ولا تفرقةٍ…خاتمًا ملحمة الوطن بـ “دعاءٍ”، يقول فيه:

“لبنان نُور العِلمْ مِنَّك طَلّْ/ وأربَعْ زوايا هــ الدِّني مَــلاّ/كِنتْ الصَّداره بالوَعي مِحْتَلّْ/يْبُوخ الزَّمان وإنت تِتْحــَلَّا/وكلّْ ما عليكْ منْ الحَسِيده  آنْدَلّْ/بيصِيرْ شَعْبَكْ يُطْلُبْ لأللَه/مِنْشَانْ يِحمِيْ عُظِمتَكْ وتضَلّْ/توِدِّي مَشَاعِل عَ الدِّني كِلاَّ!!”(ص252).

الأديب سليمان يوسف ابراهيم والشاعر موسى زغيب خلال حفل التكريم

 

 

 عِشق لبنان

لقد جاء شعر موسى تأريخًا للوطن بلغة شعبه الّذي توجّه بها له علّه يدفع بأبنائه من الأجيال الجديدة والقادمة إلى عِشق لبنان والإستمرار في حفظه وصونه وإعلاء شأنه… كما ويجد فيه جيل الآباء والأجداد ما يُحيي في قلوبهم العزّة  ويبثّ الأنفة والرّجاء في مستقبلٍ أزهى بتحريكه الحنين أمواجًا باتّجاه شاطئ أمانٍ يتمنّاه شعبٌ بأسره!!

كل العظماء اللّبنانيين يمرّون أمام ناظريّ القارئ ماخرين عباب الذّاكرة مشطّطين يم البصيرة، مدّخرين من “خمارة الزّمان” – ملحمة موسى- ما طاب ولذّ من خمرة منجزات الأوائل الّتي أفاد منها العمرَ شعبٌ؛ واستفاد منها كذلك عالمٌ، بأقطاره قاطبةً.

لقد جاب اللّبنانيّ المعمورة بمعظمها قديمًا وبمجملها حديثًا؛ حيث أنّ آثار الفينيقي العتيق تحدِّثُ نقوشها بعالميّة هذا الوطن وانتشار إبداعه أُمميًّا!!وأنت تسوح فوق سفينة موسانا وقد حمّلها قريضًا بمختلف لويحظات الفرح وعهود القهر جائزًا بالكلام على نيّرات منجزاته، تلفاها وقد غدت سُرجَ هُدىً بما حوت للأجيال بمجملها. فأعظم من الحديث على “ملحمة الإنتشار اللّبناني، والعين ترتشف الأسطر على عُجالةٍ: أن نقرأ جميعُنا أبياتها، بالقلب والفكر فتنمو فينا وطنيّةٌ وتضطرد بوعيٍ من غير حماسةٍ طائشةٍ، وبجرءة عزم ٍ من غير تبجُّح ٍ، وقوّة شكيمةٍ من غير اندفاع ٍ متهوِّرٍ؛ جاهدين نحو حفظ مكانتنا بين الشّعوب، واعين عظمة البلاد وأهلها قديمًا وحديثًا!!

ما دامت وزارة التّربية ما زالت تجهد باتّجاه وضع كتاب تاريخ لمدارسها بين أيدي طلاّبها، وما دام مضمون تاريخ موسانا الحبيب لا يختلف على ما ضمّنه اثنان، وما دام حتّى اللَّحظة لم يجرؤ أحدٌ على وضع يده على عرق تاريخنا النّابض، وما دام تاريخنا النّاصع قد كُتب شعرًا بلغة الشِّعر الزّجلي، ولطالما صرّحت الوزارة على لسان مسؤوليها أنّها ستُدخل “الزّجل” في منهاج التعليم ومقرّراته، إني أرى من المناسب أن تخطو هذه الخطوة نحو إدراج ديوان “ملحمة الإنتشار اللّبناني” في منهاج التّعليم ولتحتفظ بمناهج تدريس اللّغة العربيّة الفُصحى كما أقرّتها: فتكون قد أصابت عصفورين بحجرٍ واحد: برّت بوعدها إدخالَ الزّجل المنهاج أوّلاً ووفَّرت للنشء كتاب تاريخٍ جامعٍ، يجمع المواطنين ويجعلهم يُجمعون على مجبّة الوطن والتضحية في سبيله من دون غاياتٍ رخيصةٍ ومحسوبيّاتٍ لا طائل تحتها تاليًا، حتّى يكون الرّب قد أذن بولادة تاريخٍ صحيح ٍ يدوِّن الحقائق العصريّة. فإن لم نستطع تعريف الجيل الجديد على الحقّ، فأقل واجبنا تجاهه أن نربيه على الحقيقة! لأنّه من المخزي أن يعيش مواطنون في وطنٍ من غير تاريخ؛ وكأنّهم نزلاء فندقٍ: يؤمونه استجمامًا ويغادرونه ليُغدقوا بخيورهم من بعدها، على بلدان ليسوا هم منها، ولا لها بالأصل…وجريًا على المثل: “الغربة مضيّعة الأصول!!”.

موسى زغيب، غلاف الملحمة وسليمان ابراهيم

 

***

حقًّا، كم كان قاضي القضاة، الدكتور غالب غانم  صادقًا وأمينًا، في كتابه ” من الشّائع إلى الأصيل”، يوم أطلق بموسى زغيب وشعره حكمه المُبرم “إنّه طليعة المؤتمنين على مهر المنابر” مُردفًا إيّاه بفِقراتٍ حِكميّة، يُطلق أحكامه فيها على شعره الزّجلي ودوره فيه؛ فيرى إليه: “إنّهُ أكثر شّعراء الزَّجل إسهامًا في شدِّ الزَّجل إلى موقع الذّكاء، وإلى عُمق الأشياء، وإلى جوار الواقع، وإلى حدود الشِّعر، غير مؤذٍ الشُّعور إذا بالغ”.

فمَن حَملَ القلمَ مبضعًا، وأترع ورقَه الحبرَ من خمرة الألباب ترياقًا، لم يكن لينتظر على جهوده المضنية، سهرًا وكدًّا ونضالاً في سبيل بناء وطنٍ وإنسان، شكورًا أَو ثناءً يومًا!! غير أنّ غاية ما أتمناه لغمار نتاج حصادكم موسى زغيب: أن يغدو ذهبَ قمحه، قوت أُمّةٍ بمجملها ولا يمكث فقط، غذاءَ نُخبةٍ ، مسجىً فوق أخشاب صواناتهم الفكريّة، جسدًا وروحًا محدود النّفع، مقصور الغاية!!

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *