حوارُ الخوري سمعان
الوزير السابق جوزف الهاشم
إشتـروا أدمغتَكُمْ … إنّـه التعبير الذي يُطلقُه المصريّون على مَـنْ يتحدَّثون ببلاهة عـن أمـرٍ بحـجمِ المستحيل ..
وبحـجمِ الفساد الذي تلوَّثت بـهِ الأدمغةُ المسؤولة عندنا ، أصبحت معّرضةً للكساد ، ولا ننصح بشرائها .
يوم كان في لبنان أدمـغة ، دعـا أحدُ كبرائها الشيخ موريس الجميل إلى إنشاء بنك للأدمغة اللبنانية ليَستدينَ منـهُ العالم .
ويوم تلطّخ العقل بالدنَس ، أصبح لبنان الوطن ولبنان الشعب برسم البيع .
أرهَبُ مشهدين تداولتْهما وسائلُ الإعلام أخيراً :
والـدٌ يعرض إبـنهُ للبيع بثمانية آلاف دولار لإعالةِ الآخرين من إخوته .
مئةٌ وخمسون شاباً من طرابلس يعتصمون أمام السفارة الكندية مطالبين بفتح أبواب الهجرة .
عندما يبطل أن يكون الوطنُ قيمةً إنسانية وحضارية وحياتية ، ويصبح مقبرةً للأحياء وسوقاً لتجارة العبيد ، فلا بـدَّ من أن يفتِّش المواطنون عن وطـنٍ آخر يجسّدون فيه حضورهم الإنساني وكيانهم البشري .
المشكلة التاريخية الكبرى ، أننا منذ عهود طوال نعيش في دولة بلا نظام ، الفساد فيها مذهب سياسي متوارث ، كما كانت الملكية في القرن التاسع عشر لصّاً يحميه القانون .
القانون عندنا فرمَانٌ سلطاني توارثناه مـنْ قبلُ عـنِ العثْـمنةِ والإنتداب ، وفي عهد الوصاية من بعد على الملكِ القاصر ، ذهبتِ القوانين والشرائع والمواثيق مع الريح … ومع الريح الشرقية نزحَتْ .
للدساتير في الدول المتحضِّرة الراقية ، قيَـمٌ روحية تشبه ما في المصاحف والأناجيل ، والرئيس الأميركي أندرو جونسون طلب أن يُدفَن والدستور الأميركي تحت رأسه .
عندنا … على حياتهم يدفنون الدستور حيّاً ، يمثّلون في جثِّـتهِ ، وفي الدوائر الرسمية يقيمون عن نفسه مجالس العزاء .
لا تدرك جمعية الدفن الدستوري ، أنَّ خطر هذا الإنهيار البنيوي للدولة ، يفوق بما هو أدهى خطورةَ الإنهيارِ المالي والإقتصادي ، بحيث بات يتناول زوال خصائص الوطن ومقومات وجـوده التي من دونها يصبح أرضاً قاحلة بلا قيمة ، وشعباً بلا حضارة وبلا مستقبل وتاريخ .
كثيرون يقارنون بين ما كان عليه لبنان الماضي وما انتهى إليـه لبنان الحاضر ، على اعتبار أن الحاضر حصيلة الماضي ، في مآثره كما في خيْـبتهِ وانحطاطه ، ومن غريب معاكسة تطوّر التاريخ ، أننـا نعيش الحاضر الإنحطاطي في وطن ما كان في ماضيه إلاّ مجداً للتاريخ ، وبـهِ تغنّى المجـد .
الحاضر عندنا والمستقبل محكومان بشراء أدمغةٍ غيـرِ تلك المعروضة في سوق النخاسة للبيع ، وفي الإنتظار ، لا يُجدي العلاج بالمحاورة على غرار الحوار الذي أجراه الخوري سمعان مع الشيطان في إحدى روايات جبران خليل جبران .
بل ، بإطلاق النار تمـثُّلاً بما أعلنه رئيس دولة الفيليبين منذ حين ، عندما سمح للمواطنين بإطلاق النار على كل مسؤول يطالبهم بالرشوة .
***
(*) جريدة الجمهورية 27- 9- 2019.