حوارُ الخوري سمعان

Views: 599

الوزير السابق جوزف الهاشم

  إشتـروا أدمغتَكُمْ … إنّـه التعبير الذي يُطلقُه المصريّون على مَـنْ يتحدَّثون ببلاهة عـن أمـرٍ بحـجمِ المستحيل ..

  وبحـجمِ الفساد الذي تلوَّثت بـهِ الأدمغةُ المسؤولة عندنا ، أصبحت معّرضةً للكساد ، ولا ننصح بشرائها .

  يوم كان في لبنان أدمـغة ، دعـا أحدُ كبرائها الشيخ موريس الجميل إلى إنشاء بنك للأدمغة اللبنانية ليَستدينَ منـهُ العالم .

  ويوم تلطّخ العقل بالدنَس ، أصبح لبنان الوطن ولبنان الشعب برسم البيع .

  أرهَبُ مشهدين تداولتْهما وسائلُ الإعلام أخيراً :

والـدٌ يعرض إبـنهُ للبيع بثمانية آلاف دولار لإعالةِ الآخرين من إخوته .

مئةٌ وخمسون شاباً من طرابلس يعتصمون أمام السفارة الكندية مطالبين بفتح أبواب الهجرة .

عندما يبطل أن يكون الوطنُ قيمةً إنسانية وحضارية وحياتية ، ويصبح مقبرةً للأحياء وسوقاً لتجارة العبيد ، فلا بـدَّ من أن يفتِّش المواطنون عن وطـنٍ آخر يجسّدون فيه حضورهم الإنساني وكيانهم البشري .

المشكلة التاريخية الكبرى ، أننا منذ عهود طوال نعيش في دولة بلا نظام ، الفساد فيها مذهب سياسي متوارث ، كما كانت الملكية في القرن التاسع عشر لصّاً يحميه القانون .

القانون عندنا فرمَانٌ سلطاني توارثناه مـنْ قبلُ عـنِ العثْـمنةِ والإنتداب ، وفي عهد الوصاية من بعد على الملكِ القاصر ، ذهبتِ القوانين والشرائع والمواثيق مع الريح … ومع الريح الشرقية نزحَتْ .

  للدساتير في الدول المتحضِّرة الراقية ، قيَـمٌ روحية تشبه ما في المصاحف والأناجيل ، والرئيس الأميركي أندرو جونسون طلب أن يُدفَن والدستور الأميركي تحت رأسه .

  عندنا … على حياتهم يدفنون الدستور حيّاً ، يمثّلون في جثِّـتهِ ، وفي الدوائر الرسمية يقيمون عن نفسه مجالس العزاء .

  لا تدرك جمعية الدفن الدستوري ، أنَّ خطر هذا الإنهيار البنيوي للدولة ، يفوق بما هو أدهى خطورةَ الإنهيارِ المالي والإقتصادي ، بحيث بات يتناول زوال خصائص الوطن ومقومات وجـوده التي من دونها يصبح أرضاً قاحلة بلا قيمة ، وشعباً بلا حضارة وبلا مستقبل وتاريخ .

  كثيرون يقارنون بين ما كان عليه لبنان الماضي وما انتهى إليـه لبنان الحاضر ، على اعتبار أن الحاضر حصيلة الماضي ، في مآثره كما في خيْـبتهِ وانحطاطه ، ومن غريب معاكسة تطوّر التاريخ ، أننـا نعيش الحاضر الإنحطاطي في وطن ما كان في ماضيه إلاّ مجداً للتاريخ ، وبـهِ تغنّى المجـد .

الحاضر عندنا والمستقبل محكومان بشراء أدمغةٍ غيـرِ تلك المعروضة في   سوق النخاسة للبيع ، وفي الإنتظار ، لا يُجدي العلاج بالمحاورة على غرار الحوار الذي أجراه الخوري سمعان مع الشيطان في إحدى روايات جبران خليل جبران .

بل ، بإطلاق النار تمـثُّلاً بما أعلنه رئيس دولة الفيليبين منذ حين ، عندما سمح للمواطنين بإطلاق النار على كل مسؤول يطالبهم بالرشوة .

***

 (*)  جريدة الجمهورية 27- 9- 2019.

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *