يسرى البيطار… شاعرة الحبّ والحريّة والوطن

Views: 1527

سهير شعلان أبو زيد

لم  تتقصَّدِ الذهابَ إلى القصيدةِ تَرَفًا، ولم تُقحمْ نفسَها في ولوجِ الشِّعرِ عمدًا. 

هيَ ابنةُ الموهبةِ الموسومةِ بالدهشة،

هي الكلمةُ المَجازُ للطّبيعةِ الأنثى،

والتنهيدةُ المدى للأرضِ الكحيلةِ “كفيفان”.

إنّها الشاعرة يسرى البيطار، الحاضرة، هنا، الآن.

أدركَتْ بالحدْسِ المُبَكِّر، تأثيرَ الكلمةِ الساحِرِ في الوجدانِ والجسد.

وتأكّدَتْ بالتجربةِ الملموسةِ، أنّ الكلمةَ أصلُ كلِّ حَراك، وأوّلُ الأفعال.

فبحثَتْ في مراميها، وأبعادِها، وأطيافِها، وردةً، في إضمامةٍ واحدة؛ ولامستْ تموُّجَ مسارِها الشّاسع، في حنايا المعنى، فارتحلَتْ بدراسةِ اللغة، لاكتشافِ كنوزها، وأسرارِها، وخفاياها بحرًا، في تموجاتٍ متعدّدة.

سهير شعلان أبو زيد

 

ولأنَّ الأدبَ الرفيع، يُعيدُ ترتيبَ العلاقةِ بين الإنسانِ والعالم.

ولأنَّ الشعرَ العظيم، يخدمُ قضايا الإنسانِ الكبرى، صبَّتْ الدكتورة يسرى البيطار عنايتَها على دراساتٍ متفرّعةٍ من العلومِ الإنسانيّة.

واستطاعَتْ بموهبتِها الشعريّة، وحسِّها النقدي، أن تجيّرَ الأدب، والنقد، والتربية، والقانون، لمعالجةِ أبرزِ أزماتِ المجتمع، ومشكلاتِ الإنسان، كتابةً إبداعيّةً نقديّة، بفكرٍ قانونيّ، ووجدانٍ حقوقيٍّ سياديّ.

فكتبتِ الحريّةَ، والحبَّ، والهويّةَ، والشهادةَ، والوطنَ، والأرض. ولعلَّ أبرزَ قصائدِها، تلك التي صدحَتْ بعوالمِ المرأة. حيث بدَتْ صيحةً، تجاسرَت أن ترتفعَ في وجهِ مجتمعٍ ذكوريّ، وصوتًا مدوّيًا، يمارسُ تدميرَ واقعٍ هشّ، لبناءِ إنسانٍ جديد، ومجتمعٍ آخر، ذي جذورٍ تمجِّدُ الحياة.

وعلى الرّغمِ من المسافة التي قطعتها الشاعرة، بصوتها، وتصوّرِها، وحضورِها، للنفاذِ إلى جوهر موضوعة المرأة، إلّا أنّها صرّحت غيرَ مرّة، بعدم اكتفائها في ما كتبته عن هذا الشأن المُلِحّ. حاسبةً أنّ القصيدة، لمّا تُلبِّها بعد، في تحريك جمود قضيّة المرأة، وتمزيق سكون محيطِ الأفكارالراكدة، تجاهها، الغارقة في مستنقعات الأيديولوجيّات الآسنة.

ولأنّه: في البدء، كان الكلمة

تُنهضُ الشاعرة قصائدَها بكلمة الحبّ، أسلوبًا ناعمًا، في مواجهة القساوة، والعنف، والتطرّف، والزيف، والظلم، والجهل، والكره.

هكذا يتجلّى الشعر، في رؤية الشّاعرة يسرى البيطار، طريقة يسيرة في التعامل مع المرأة، وأسلوبًا بديلًا في النظر إلى كيانِها الأنثوي، والتماس حضورِها. هي امرأةٌ فخورةٌ بأنوثتها، شامخة بحبِّها، حرّة في شرقِها، مدركة بلذّتِها المعنى الأعمق للحياة.

تقول الشاعرة:

“إنّي سأبقى

في ضفاف الرّيح

إنّي أستلذُّ الرّيحَ كالنسر”.

للشاعرة  دراسات في النقد والألسنيّة، وديوانان: “عطر الشوق” و”أكاد من المحبّة أسقط”.

ونحسب أنّنا نلتمس في هذين العنوانين خيطًا خفيًّا، يشدُّ طرف العنوان الثاني إلى الأوّل، في علاقة ضمنيّة تربط النتيجة بالسبب. وهو ما يلوح في دلالة الفعل “أسقط” والاسم المركّب “عطر الشوق”. ذلك أنّ للعطر، تأثيرًا بالغًا في الإدراك، أو غياب الوعي، حيث يُكوَّنُ تركيب العطر للشخص الإنسان مفعولا بيولوجيًّا، نفسيًّا، لحالتين متناقضتين، إمّا الاسترشاد، والانتعاش، أو الخدر والإغماء.

فهل يمكن أن يكون لتركيبة “عطر الشّوق”، دلالة على اختمارالمشاعر، وتقطُّرِها، وسببٌ لحالة خدر الشاعرة، حتى أوشكت على السّقوط في حضور المحبّة؟

لنتعرّف أكثر إلى “شاعرة الحب”، نطلُّ إطلالة فضوليّة، على أوّل قصيدة في ديوان “أكاد من المحبّة أسقط” وعنوانها “أحلام”، فنجد فيها كشفًا لأوّل وعي لذات الشاعرة، وتحقيقًا لآوّلِ حضور لها، من خلال فعل الكتابة، فعلا وجوديًّا، في علاقة متلازمة، بين الحب والحلم فتقول:

ما إن بدأت أفيقُ، أنبضُ بالحياة، حلمتُ أن أهواكْ

وَحَبَبْتُ أحلامي تهيمُ بها رؤاكْ

وحلمتُ أنّكَ سوف تَحملُني على كفَّيْكَ ممراحًا 

وتغمرُني وتَسحَرُني

وأنّكَ سوف تُسكنُني مدى عينيكْ…

سُرعانَ ما أصبحت ُ يانعة”.

هكذا وعت الشاعرة ذاتَها بالحب، وهكذا أدركت أنوثَتَها بالشّعر، بعد أن احتواها واستوطنَ في رؤاها. وهي من فَرطِ حبِّها للحب غلّبتِ الحلم على الواقع فضاءً أوسعَ لتموّجات مشاعرِها، وغورًا أعمق في سبر مجاهلها.

فلتتقدّم بما يفيضُ وجدانُها المشتعل، غنائيّة راقية، وبما ترسل روحُها الحارّة من رسائلِ الودِّ، والوجد، والتغيير.

***

(*) ألقيت خلال الأمسية الشعرية التي أحيتها الرابطة الثقافية- رعية مار مارون – البوشرية مساء  الأربعاء 2/ 10/ 2019 وشارك فيها الشاعران موريس وديع النجار (قدمته أمينة سر الرابطة الأديبة مارلين سعاده) ود. يسرى البيطار (قدمتها الأستاذة سهير شعلان).  تخللها كلمة ترحيبية لرئيس الرابطة الثقافية د. طوني الحاج، وأدار اللقاء الفنان حسن- بهروز لواساني.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *