لماذا لم يعد رؤوف شحوري في رحلته الأخيرة إلى الدوير؟

Views: 444

حسين سلامة

إني احب بلدتي الدوير، وحبي لها يجعلني قادرا على معرفة مشاعر غيري، اذ ان من لا يحب لا هو مدرك للمشاعر ولا هي مدركته.

فقيدنا الكبير عبد الرؤوف شحوري الراحل عنا في عين الله والى جواره احب بلدته الدوير كثيرا…عشقها كما عشق جنوبنا الحبيب وكتب عنها وعنه غير مرة.

ظل يحب الدوير حتى وفاته قبل خمسة ايام…غادرنا والدوير في قلبه.

الاحبة ابناء بلدتي عتبوا وسألوني:

لم يوارَ في ثرى الدوير وله فيها محبون كثر خصوصا بين اهل الكلمة واهل القلم.. فهل وجد في ثرى آخر رائحة ازكى واطيب؟

قالوا: تجاوزنا اختيار مرقده…لماذا لم يُقم له تأبين بين اهله في الدوير وهم وهي كفء والله لتكريمه؟

سؤالان محقان ومنطقيان.

اما لماذا لم يدفن في الدوير التي احبها، فان لهذا السؤال قصة حب اخر.

هو عند عودته من غربته سعى لأشهر لشراء عقار في الدوير وتعددت الظروف والاسباب التي حالت دون ذلك وقد اودعني اياها في حينه.

وفي خضم هذا الظرف جاء من عرض عليه عقارا في بلدة شوكين، وهي بلدة عزيزة، وهو كان ادرك اختصار زمننا للمسافات وتغير واقع بلداتنا على مستوى لبنان حيث تلاشت المسافات التي كانت تفصل بينها وصرنا كأننا نقيم في بلدة واحدة.

الأمر الوجيه الذي طرأ على حياة الرجل، وهو الذي ولد ونشأ وعاش وعمل في المدينة وكانت ظروفه تسمح بزيارات سريعة الى ضيعته، فيغتنمها الى اقصى ما يمكن انه عندما امتلك عقاره الجديد وبنى عليه منزله الذي سعى لأن يكون كما يطمح، تحيطه ارض خصبة معطاءة وهو الذي لم يعرف شيئا عن الزراعة .

تصدت زوجته الراحلة التي كانت نشأت في منزل قروي “فلاحي” وبدأت تستذكر طفولتها واهلها وعملهم في الزراعة،فنزعت عنها ثوب المدينة  وانتعلت “الجزمة” وسكبت من روحها عشقا فنبت في الأرض اجمل واشهى خضروات وفاكهة مماتحبون .

انفتحت شهية ابي ربيع  رؤوف على الواقع الجديد وشارك شريكة حياته غرامها الجديد وبدأ رحلة جديدة فوزع اهتمامه بين حبه لمهنة الصحافة وشغفه الجديد بالزراعة، حتى انه صار يشارك الأرض حبها لما تلده مما يشاء ويزرع…الرواية طويلة ومتشعبة اكثر من ان تشرح في سطور.

لقد تجاوز شريكة حياته في حبه لذلك الثرى الذي اندمج فيه، الى درجة ان فاتح زوجته في لحظة الختام. قال لها:

 ما رأيك بان ندفن هنا في ارضنا؟

اجابت:لا،

اريد ان ادفن مع الناس.

قال لها:

انا سأدفن هنا.

واختار الزاوية التي سيقام فيها مرقده وجعل لها بوابة خاصة اسماها بوابة “العدم”.

الى هناك كان انتقاله، الى ثرى التربة التي رعاها وكأنه اسف ان يفارقها مع علمه علم اليقين انه انتهى منها وانه مورثها، الى ان يرث الله الأرض ومن عليها.

 اما السبب الثاني، الذي اعتبره وجيها فهو حبه للناس الى درجة انه لا يريد ان يجشمهم عناء او احراج المشاركة في تشييعه.. وربما فاته ان وفاته وتشييعه، كغيره، فيهما اجر، اقله ان الهدف من المشاركة هو ان يعتبر الانسان من غيره بان الرحيل الى الله ليس ببعيد وانه تارك كل ما جنت يداه للدنيا، واَخذ معه فقط ما عمل للاخرة وما عمر في قلبه لله للناس.

لقد ترك ابو ربيع جنى الحياة لينعم به من هم جنى الروح: ربيع ورامي وريما ورشا… واوصى بما شاء، وترك عليهم مسؤولية التنفيذ.

والانجال الأربعة لم يعيشوا مع الوالدين رحلة عشقهما للمكان..

فلا هم اندمجوا في نسيج مجتمع البلدة،لا في الدوير ولا في شوكين. وليس لهم تجربة التعامل مع المناسبات الأليمة… وربما ادركوا الفحوى العامة لرغبة الوالد بعدم تجشيم الناس العناء.

وهذا، بحسب ما اعتقد،سبب عدم احياء مناسبة التأبين في بلدتهم الدوير.

لا شك ان لدى رجال الرأي والمشورة ان رؤوف شحوري يستحق ان يكرم في بلدته الدوير،التي فيها دفن والداه، ومنها انطلقا واليها كانت رحلة عودتهما الأخيرة.

هذا رأي محترم وممكن، وربما يمكن القول انه واجب ويستحق التحظير، ليكون التكريم على قدر المرء وبمسوى ما يريده المكرٌمون.

رحم الله الراحل الكبير

وادام عزكم واطال باعماركم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *