إضاءة لـ هدى أحمد وبهجت العبيدي على “ثقافة العولمة والأخطار المحدقة بشبابنا”

Views: 589

في وجود وزارات وهيئات ثقافية غير مدركة لحجم الخطر المحدق بشبابنا وما تقدمه من خطط ومشاريع ثقافية ضعيفة، وأهتمامات أخرى….

 كيف نعمل نحن المثقفون على تحصين فكر النشء والشباب المستهدف ثقافيا، ونكبح عمليات التشتت والتشظي الفكري المتسرب عبر وسائل عدة منها العاب تقنية تولد العنف وتعلم القمار كــ “لعبة البابوجي” وانتشار المقاهي بديلا عن المكاتب وانحدار الذائقة الفنية للمظهر والملبس في المجتمع وكذلك استعمال المفردات الدخيلة؟..

هنا إجابة الكاتبة المصرية هدى حجاجي أحمد ونظيرها الكاتب والمفكر المصري المقيم في النمسا بهجت العبيدي على هذا التساؤل:

 

هدى حجاجي أحمد:     

في ظلّ ثقافة العولمة بالتّصوّر الذي يروّج له الغرب وتحديدا أميركا، وفي ظلّ التّطوّر المتسارع لوسائل الاتّصال والتّواصل الاجتماعي وفي ظلّ الاكتشاف الأكبر “الأنترنت”… في ظلّ كلّ هذه الأجواء تُطرح قضايا الثقافة الوطنية وقضيّة الهويّة ومسألة التّراث في علاقة بدول العالم النّامي خاصّة… فمجتمعات هذه الدّول هي المهدّدة بأخطار “العولمة” بالتّصوّر الغربي… من جهة القضايا الحارقة التي أشرنا إليها.

فبحكم موقعها في السّلّم الحضاري، وبحكم تراجع مكانتها الحضارية وانحلال اقتصادها وعدم امتلاكها لمؤسسات تعليميّة وثقافيّة تجابه بها الواقع الجديد… فإنّ هذه الدّول – وخاصة الدول العربيّة- صارت عاجزة تماما عن التّجذّر في هويّتها بل صارت في تبعيّة تامّة للغرب في الثقافة والتعليم ومناهجه، وفي المأكل والملبس والتّفكير، وأكثر الفئات عرضةً لذلك هم النّاشئة.

وفي ظلّ عجز المسؤولين السّياسيين لغياب الإرادة وتهافت مؤسّسات الدولة في المستوى الثقافي فإنّ المسؤولية اليوم ملقاة على عاتق المثقّفين والمثقّفات، فهم الأقدر على تركيز أسس مجتمع يؤمن بهويّته وقدراته وهم في تواصل مباشر مع الناشئة والشباب في مدارج الجامعة والمعاهد والمدارس… بإمكانهم من خلال الدّرس والحوار ومن خلال إنشاء مجموعات عمل ثقافية وفِرَق بحث وفكر، ومن خلال تأسيس ورشات عمل ثقافيّة أن يُرسوا ثقافة الشّخصيّة القوميّة التي تتمسّك بأصولها وثوابتها وأن يُنشؤوا عقولا تميّز بين الغثّ والسّمين وتُحسن إدارة مسألة الحوار مع الآخر وتؤكّد قضية الانتماء دون أن يكون ذلك بالانغلاق.

إنّ أهمّ ما يفتقده العقل العربي اليوم هو “العقل النقدي” القادر على التمحيص والتثبّت والغربلة، العقل المحاور وهو مؤمن بثوابته، وهذا ما يجب أن يشتغل عليه المثقف في علاقة بالناشئة

***

 

بهجت العبيدي:

لعله من المناسب في البدء أن نرسل صيحات التحذير للأنظمة العربية في كافة الأقطار والتي تظن – خاطئة- أن ثقافة الشعب ووعيه تمثل خطرا على وجودها، وأن عملية التجهيل والتسطيح والتدني الثقافي تضمن لها الوجود، وأن نضاعف التحذير من ظاهرة الاعتماد على موالين للنظم الحاكمة، لضمان الولاء فقط، بعيدا عن الكفاءة والقدرة التي يجب أن يتمتع بها كل من يتصدى لمسؤولية، حيث أن الأول مهما كان ولاؤه، لن يفيد المجتمع ولا النظام الحاكم، إذا افتقد المؤهلات التي من خلالها يقود منظومة العمل التي يرأسها، ولا أن يحقق تلك الأهداف التي تم من أجلها إنشاء هذه المؤسسة أو تلك. 

والدارس لتاريخ الأمم والشعوب، يلحظ دون كثير عناء أن الاعتماد على الولاء دون الكفاءة كان سببا رئيسا لانهيار أنظمة، بل وانهيار أمم بالكامل، والاتحاد السوفييتي ليس بالنسبة لنا ببعيد.

وليس هناك مؤسسة أخطر في تكوين الوعي وتثقيف الشعب، وصياغة وجدان الأمم مثل وزارات الثقافة المنوط بها أن ترتقي بالذوق العام مرة، وأن تقوم بالتعريف بكافة أنواع الثقافة العالمية، على أن يكون للثقافة العربية نصيب الأسد، مرة أخرى، وأن تنشر الفنون الجميلة فتقدم الأرقى منها للقارئ والمستمع والمشاهد، مرة ثالثة، وأن تغرس في نفوس أبناء المجتمع العربي ثوابت الأمة راسخة قوية، لا تتزعزع، ولا تتزحزح من مكانها إذا هبت عليها الهبوب، أو زادت عليها الضغوط، أو تناولتها أبواق الأعداء بما لا يليق.

للأسف الشديد مازالت الأنظمة العربية لا تدرك إدراكا حقيقيا لخطورة التجهيل، ولا تعلم حقيقة أن وعي وثقافة الشعب هي الضامن الحقيقي لبقائها وحماية الوطن، وللأسف مازالت حلقة الثقافة هي الأكثر ضعفا بين حلقات المجتمعات العربية المتشابكة، ذلك الضعف الذي هو نتيجة لعديد الأسباب يأتي على رأسها إسناد الوزارات لمن لا يتمتعون بالقدر الكافي من الثقافة.

وهنا يظهر دور المثقف العربي الذي يبذل جهدا جهيدا في عملية الوعي، حيث أنه- في الكثير من الأحيان- تسد أمامه أبواب الإعلام، وتحكم حوله قيود الوصول إلى الناس، كما أن العديد منهم متهم لا لشيء سوى لأنه يؤمن بقيمة التنوير والتثقيف والوعي وإعمال العقل.

إن المثقف العربي- على ما يعانيه- فإنه لم يسقط من يده المنديل، لأنه يؤمن بدوره في ضرورة إزالة الغشاوة عن العقل العقل العربي، وتحريره من قيود التبعية للقديم الفاسد من ناحية، والجديد الوافد من ثقافة وبيئة مغايرة ولا يتناسب مع بيئتنا ومجتمعنا وثقافتنا من ناحية أخرى، وكأني به بين كفي الرحى يقاوم ويبذل من روحه وفكره، ويمنح من قلبه وعقله.

إن المثقف العربي الحق، لا يمكن أن يمنعه مانع مهما كان من أداء الدور الذي يؤمن به، والذي نراه في هذه المرحلة هو تحرير العقل ونشر الوعي ومحاربة الخرافة، والرقي بالحس والارتقاء بالمشاعر.

نقول على الرغم من تلك المعاناة التي يتعرض لها المثقف ومعه المجتمع فإن ما هو متاح الآن من وسائل للتواصل والنشر في عصرنا الحديث يجعلنا نرى ثمارا دانية القطف يقوم عليها مثقفون عرب في كافة اقطارنا العربية.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *